18 ديسمبر، 2024 6:52 م

خراب البصرة… يغير بوصلة التحالفات

خراب البصرة… يغير بوصلة التحالفات

تتحدث كتب التاريخ عن اول خراب شهدته محافظة البصرة خلال ثورة الزنج قبل أقل من 1200 عام، حيث سيطر “بهبوذ” الذي يعرف عند الكثير باسم علي بن محمد على مدينة المختارة التي تقع جنوب مدينة البصرة واتخذها عاصمة له، ليشكل تهديدا كبيرا للخلافة العباسية في ذلك الوقت حتى انتهى عهده بمعركة كبيرة تعرضت خلالها البصرة لخراب كبير “اكل الاخضر واليابس” وتفرق انصاره الذين كانوا من العبيد بين عبادان والبحرين وصولا الى افريقيا.
قد يحاول الكثير التشكيك بتلك الرواية، او يقلل من ربطها بالاحداث التي شهدتها البصرة خلال الايام الماضية، لكن ياسادة.. ان الخراب لا يعني حرق المؤسسات فقط انما قتل الابرياء لمجرد مطالبتهم بالحقوق او للبحث عن ماء صالح للشرب وسط مدينة تغفوا على ضفاف ملتقى نهري دجلة والفرات، لكنها تصارع الموت والجفاف في حين يتبادل “ولاة الأمور” الاتهامات ويحّمل أحدهما الاخر مسؤولية التقصير في خدمة المواطنين خلال جلسة برلمانية تحولت الى “سرك” من دون قيادة فالجميع يتحرك ويتحدث بما يخدم مصالحه ويبعد عنه المحاسبة القانونية، حتى ان احدى النائبات طلبت من السيد “رئيس السن” نقطة نظام لتسأله “من يدير الجلسة يا سيدي الرئيس”.
الجلسة التي شهدت “عراكا” بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته ومحافظ البصرة اسعد العيداني الذي حاول “كسب” تعاطف المواطن البصري من خلال الظهور بموقف “المظلوم” والمغلوب على امره، لكنه تناسى وصفه للمتظاهرين حينما ابلغنا في بداية انطلاق الاحتجاجات بان “التظاهرات التي تشهدها محافظة البصرة تقاد من جنوب فرنسا، مؤكدا أنه ،في حال الوصول إلى الحقيقة الكاملة سيتم عرض ذلك عبر وسائل الإعلام”، ليتحول موقفه هذا من اتهام المتظاهرين الى تبادل “التقصير” في المسؤولية مع الكابينة الوزارية التي ظهرت خلال الجلسة الاستثنائية وكانها “صاحبة انجازات عظيمة”، يجهلها “عباد الله” او يتعمد نكرانها، فوزيرة الاعمار التي نسمع بها فقط ولا نراها، حمّلت بقية الوزارات مسؤولية التلكؤ في انجاز مشروع ماء البصرة الكبير على الرغم من انتهاء المدة الزمنية لانجازه منذ العام 2017.
في حين ظهرت وزيرة الصحة عديلة حمود وهي تعترف بتسجيل الالاف من حالات التسمم بسبب ملوحة المياه وليس تلوثها، وتجاهلت تصريحها حينما زارت البصرة وتحدثت عن 1500 حالة فقط، في حين كان نحو 20000 بصري يعانون من حالات التسسم حتى ضاقت بهم صالات المستشفيات، جميع تلك التصريحات او محاولات الهروب من المسؤولية لم تقنع المواطن الذي ينتظر حلولا جذرية تُمحي اخطاء 15 عاما من السرقات والفساد.
ياسادة ان احتجاجات اهالي البصرة لم تكن ثورة لاسقاط النظام، انما تظاهرات شعبية للمطالبة بالحقوق فقط وللاعتراض على سوء الادارة والفشل الحكومي في توفير الخدمات، لكنها تطورت وخرجت عن السيطرة بسبب “الغضب الشعبي” واستخدام اُسلوب التخدير الذي “يجيده” السيد العبادي ، لتكون النتيجة استغلال هذا “الغضب” من قبل جهات واطراف أشعلت النيران بمقر تابع للحشد الشعبي وأحرقت عمدا مبنى القنصلية الإيرانية من اجل خلق مبرر او حجة تمنح المتظاهرين صفة “المخرب”، لكنها فشلت بعد قرار ساهم فيه “عقلاء القوم” ليكون الحل واخماد نار الفتنة بتأجيل التظاهرات.
الخلاصة… ان دخان نار البصرة الذي جاء بالعبادي من بغداد في زيارة لم تكن “موفقة” قد يرسم الشكل الحقيقي للحكومة المقبلة ويغير بوصلة التحالفات السياسية، لكن السؤال الذي لابد منه.. متى ستحل ازمة البصرة؟.