في ظل الأزمات المتتالية التي تعصف بكل مفاصل الدولة العراقية، يجري سباق محموم للظفر بتشكيل الكتلة الأكبر التي تمكّنها من تشكيل الحكومة المقبلة، وهو ما دفع إلى اعتقاد سائد لدى شريحة كبيرة من العراقيين بأن الظروف قد تأسس لحكومة بعيدة عن طموحات الشارع العراقي وأحلامه، خاصة بعد الذي جرى مؤخرا في جلسة مجلس النواب الجديد من مخاز لا تليق إلا بأعضائه.
هذا الشعور لم يأتي عن فراغ، كون الشارع العراقي فقد الثقة بـ”رموز” العملية السياسية، الذين لم يفوا ولو بوعد واحد من الوعود الكثيرة التي اطلقوها خلال تصدرهم المشهد السياسي في العراق، منذ خمسة عشر عاماً على التوالي.
لا بل أن القناعة أصبحت راسخة لدى معظم العراقيين أن “رموز” العملية السياسية هم رموز للمافيا والفساد، وما تمسكهم بها إلا من أجل الاستمرار في نهب ثروات العراق وخيراته.
الفساد الهائل ساعد بصورة مباشرة على انعدام الخدمات وتدهور البنى التحتية وتدهور التنمية بكل أشكالها، رغم الموازنات الانفجارية من بيع النفط منذ 2003 وحتى الآن، والتي بلغت نحو “960” مليار دولار، أكثر من نصفها “مفقود” ، ولا يزال العراق يستورد الكهرباء والمنتجات النفطية، وباتت البلاد خالية بشكل شبه كامل من مشاريع الصناعة والزراعة، وتعتمد بغالبية مطلقة على الاستيراد، فضلا عن انتشار الأوبئة والأمراض بسبب شح المياه وتلوثها، خاصة في البصرة والذي أسفر عن تسمم آلاف البصريين، وهذا نتيجة حتمية لاستشراء الفساد وسوء الإدارة .
أما ما يجري من حديث من قبل الطبقة السياسية الحالية حول طبيعة المرحلة المقبلة، بشأن ضرورة وضع برنامج وطني موحد وفق مبدأ الشراكة الحقيقية -لا المشاركة- ومن ثم تشكيل حكومة وطنية تأخذ على عاتقها تنفيذ ذلك البرنامج وتنقذ العراق من أزماته المتتالية، لا يعدو كونه كلام فارغ، ويصب في دائرة الوعود التي تعودوا تكرارها، ويمكن حصر عدم التعويل على أي حكومة مقبلة في أربعة أسباب:-
إصرار “الشيعة” السياسية على اتباع ذات السياسة التدميرية – ترسيخ الطائفية السياسية والفشل في إدارة الدولة – فضلا عن إن نتائج الانتخابات نفسها التي جددت لذات الوجوه، لا تلبي طموحات الشعب العراقي جراء مارافقها من خلل كبير، لجهة شفافيتها ومدى نزاهتها، خصوصا بعد الاتهامات بالتزوير التي أطلقتها أطراف سياسية عديدة .
الضغوط الإيرانية – الأميركية بخصوص الجهة التي ستتولى تشكيل الحكومة، فعلى الرغم من “اختلافهما” أقله ظاهرياً فهم يريدون في النهاية رئيس وزراء غير معادي للطرفين، وهذا يعني الاستمرار في التبعية للغير ما يضمن مصلحة البلدين المذكورين.
أولويات “سنة” العملية السياسية هي إخراج ميليشيات الحشد من المدن “المحررة” وإعادة النازحين وتعويضهم وإعمار مدنهم بالإضافة إلى الكشف عن مصير المفقودين والمغيبين، وهذا لن يتحقق في المدى المنظور لأن الجهة الممسكة بهذا الملف هي مليشيا الحشد التي لا تفكر بذلك لأسباب معروفة.
شروط الأكراد هي التوقيع العلني على وثيقة تطبيق المادة 140 من الدستور، والنفط، والمنافذ الحدودية، ورواتب قوات البشمركة لضمان عدم التنصل من تطبيقها . وهذه مشاكل عالقة بين بغداد وأربيل، في ظل إشكالية الدستور .
على ضوء ما تقدم وتداعياته السلبيةً على الوضع السياسي، والاستمرار في التخندقات الحزبية والطائفية، إضافة إلى الظروف الحالية التي تحيط بالعراق والمنطقة وربما العالم كله، باتت الشكوك تسيطر حول إمكانية قيام أي حكومة مقبلة بأي شيء ناجع وحاسم تجاه حل مشاكل العراق المزمنة .