25 نوفمبر، 2024 9:53 ص
Search
Close this search box.

خدمة الناس بدون مقابل ديوالي آغا الدوسكي أنموذجاً

خدمة الناس بدون مقابل ديوالي آغا الدوسكي أنموذجاً

تمر هذه الايام الذكرى الثالثة والثلاثون لاغتيال ديوالي آغا بن سعيد آغا بن ديوالي آغا بن أسماعيل آغا رئيس عشيرة الدوسكي، ففي 28/8/1982م أقدم مجهولون على إغتيال ديوالي آغا مع بعض مرافقيه عندما كان في زيارة الى إحدى قرى عشيرة الدوسكي(به رى به هار) الواقعة غرب الطريق العام بين مدينة دهوك وناحية زاويته.

وفي وقتها إتهمت المخابرات العراقية بتنفيذ هذه العملية، بل كان هذا شأنها في إغتيال كل من زبير محمود آغا الزيباري، ومحمد آغا الهركي وآخرون.

كانت الحكومة العراقية تتوجس من ديوالي آغا نظراً لنفوذه المتزايد ومكانته الاجتماعية والعشائرية في منطقة دهوك وأطرافها

فهو إحدى أهم الشخصيات القبلية والاجتماعية في منطقة بهدينان عامة ودهوك خاصة، وهي شخصية محترمة ومحبوبة من الجميع، فقد كان شجاعا وحكيما وجوادا وكريماً ومتسامحاً، وكان يخدم ويساعد أبناء عشيرته، فضلاً عن العشائر الاخرى في دهوك:أمثال المزوري والبرواري والكوجر والسليفاني وغيرهم، فضلا عن مسيحيي دهوك واطرافها، ويزيديي أطراف دهوك وسميل.

وعرفت هذه العائلة بإيواء وستر المسيحيين واليزيديين والارمن في زمن النكبات والفتن في أيام الحرب العالمية الاولى، وفي سنة 1933م عندما حموا العشرات من الاسر الآثورية.

وكان قصره العامر (قصرا ديوالي) الذي بناه سنة 1949م محط أنظار الجميع، وملجأ كل من ضاقت به السبل، أو حدثت له مشكلة عشائرية أو مظلمة حكومية، وكان يستجيب لكل من يقصده ويلبي صرخات وآهات المظلومين. لذلك فان الحكومة العراقية كانت تتوجس منه خيفة، وتضيق به ذرعا كلما قابل

قائمقام دهوك أو مدير شرطتها، أومحافظ(=متصرف)الموصل، أو محافظ دهوك فيما بعد، أو المسؤولين الكبارفي بغداد، لرفع الحيف عن المواطنين.

وكان شجاعاً في مقابلة مسؤولي الدولة في العهدين الملكي والجمهوري على حد سواء لحل مشاكل أهالي المنطقة بمختلف أديانهم وعشائرهم.

كان ديوالي آغا يستجيب لكل من قصده في قصره دون أن يسأله عن اسمه أو عشيرته؛ فكثيراً ما كان يترك طعام فطوره ويطلب قميصه (=الشبك) لكي يلبسه حتى يستطيع الخروج وتلبية الطلب، سواءً بالذهاب الى مقر قائمقامية دهوك، أو السفر الى الموصل وبغداد التي كانت في الحقيقة رحلة شاقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر ذهب جد كاتب هذه الاسطر(الحاج اسماعيل سرحان زاوي) الى قصر ديوالي آغا في سنة 1960م بقصد التوسط لنجله(عادل) الذي كان قد التحق بالخدمة العسكرية في بغداد، وكان الاغا يأكل طعام الفطور، وفعلاً لبى طلب جدي، لم يقل أنه مشغول، أو أن المسافة بعيدة؛ فقط طلب قميصه ولبسه على عجل وركب سيارته وغادر برفقة جدي الى بغداد حيث لبى طلبه لآن عديله الزعيم علي من أهالي العمادية كان ضابطاً كبيرا في الجيش العراقي، ومن الغريب أن ديوالي آغا نسي محفظة نقوده التي كانت في جيب القميص الآخر، ولم يعرف بالامر إلا في بغداد – فتصور الامروالتعليق يرجع اليك..

كان انسانياً بحق يلبي طلب كل من قصده أو حدثت له مشكلة من تلقاء نفسه؛ لا يهمه شيء إلا خدمة الناس فقط، ففي 3/ 11/1968م قامت مجموعة مجهولة باقتحام دار منصور حنا ساوا الملقب ب(منصور شله)، في محلة النصارى في دهوك والطلب منه تزويدهم بمبلغ 300 دينار، فلما رفض ذلك قتلوه بدم بارد، ولاذوا بالفرار الى جهة مجهولة، وقد أثارت محاولة قتله استنكارأهالي دهوك بمسلميهم ومسيحييهم على حد سواء، وتم دفن المغدور في باحة كنيسة الانتقال، ووصل الامربأن أتصل البابا بولص السادس(=بابا الفاتيكان) بالرئيس العراقي الاسبق احمد حسن البكر طالباً حماية المسيحيين في شمال العراق(=كردستان)، وتم الايعاز الى قيادة الفرقة الرابعة في

الموصل للايعاز الى اللواء الثامن عشر المتمركز في مدينة دهوك لحماية المسيحيين فيها.

ومن جانبه فقد تعهد ديوالي آغا الدوسكي بحماية المسيحيين الساكنين في محلة النصارى عن طريق ارسال مفرزة من رجال قبيلته المسلحين(=الفرسان) بقصد الحماية ومراقبة مداخل المحلة ً لمنع التسلل اليها ليلاً، واستمرت هذه العملية الى أن جاء بيان 11 آذار التاريخي عام 1970م، حيث حل السلام والوئام في المنطقة.

ومن الجدير ذكره أن منصور ساوا هو جد الفنان الاسترالي المشهور (جنان ساوا)، وكانت لمبادرة ديوالي آغا الاثر الكبير في شكر وثناء مسيحيي دهوك، وعدم تركهم المدينة، كما كان يحدث في المدن الاخرى آنذاك كالموصل وعقرة وغيرها، وهناك أمثلة أخرى أعرضت عن ذكرها خوف الاطالة.

ديوالي آغا كان شخصاً قومياً وليبرالياً في الوقت نفسه، واكبر دليل على ذلك دخوله في قيادة أحد الاحزاب العراقية الملكية الليبرالية، ووبخصوص فكره القومي تتكلم الوثيقة التالية:

وبشأن مساعدته للثوريين الكرد ودعمهم فقد اتهمته الحكومة العراقية بتعكير صفو الامن!، فقد نشرت جريدة (فتى العرب) في27 شباط عام 1951م بعددها (3) خبراً، حول قيام سعيد قزاز متصرف لواء الموصل في الثاني والعشرين من شهر تشرين الاول عام 1950م بالذهاب شخصياً الى دهوك لالقاء القبض على ديوالي آغا الدوسكي عضو البرلمان العراقي عن قضاء دهوك، وتم اقياده مخفوراً الى متصرفية الموصل وأودع السجن، وقررت متصرفية الموصل الزام ديوالي آغا الدوسكي بدفع خمسة آلاف دينار ومائتي بندقية صالحة للاستعمال الى دائرة الشرطة، للحد من اعماله في الاخلال بالأمن! لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من سنة 1947م على وفق المادة (43) من نظام دعاوي العشائر. وفي حالة امتناعه يحبس حبساً بسيطاً للمدة المذكورة على وفق المادة(47) من النظام المشار اليه، مع اصدار حكم على أخيه رشيد آغا باعطاء تعهد بحسن السلوك وحفظ السلام، وبدفع(2000) دينار نقداً للخزينة، وتسليم(100) بندقية صالحة الى الشرطة، وعند عدم الدفع يحبس مدة ثلاثة سنوات. وتم تكليف ابن عمهما (حسن آغا ابن حسن آغا) باعطاء نفس التعهد ودفع (1000) دينار.

ومن الجدير بالذكر ان شقيقه رشيدآغا الدوسكي كان قد التحق بالثورة الكردية منذ 1962م وبإيعاز منه، وكان يقود معارك بهدنيان في تلك المرحلة وبشجاعة كبيرة يعرفها الجميع”، وكان له دور مشهود في التصدي للجيش العراقي في منطقة(به رى كه ر) في المنطقة الواقعة بين مجمع القدش والعمادية، فضلاً عن معارك أخرى، كما أن قصر ديوالي آغا كان ملجأ للبيشمركه وقادتهم عند المرض والاصابة في المعارك بينهم وبين الجيش العراقي أثناء حركات ثورة ايلول1961-1970م.

، فضلاً عن دعم ومساندة البيشمركه بالعتاد والارزاق، وكان كاتب هذه الاسطر شاهد عيان للعديد منها بحكم قربه من هذه الاسرة الكريمة.

أما عن المساعدات العينية والمادية للمحتاجين من جميع العشائر والطوائف، فحدث ولا حرج.

ففي سنة 1915م واثناء قيام (حسن آغا ابن إسماعيل آغا ) رئيس عشيرة الدوسكي بقيادة مقاتلي عشيرة الدوسكي، ومعهم مقاتلي عشيرة المزوري بقيادة الشيخ نوري عبدالجبار البريفكاني، للقتال ضد القوات الروسية الغازية لإيران أثناء سنوات الحرب العالمية الاولى، توفي فجأة في مدينة ساوجبلاغ (= مهاباد) إثر مرض ألم به، ويعتقد ان للسلطات القاجارية الإيرانية دور في إغتياله بدس السم له في الدواء.

وفي سنة 1924م قتل سفر آغا الدوسكي في قرية (بيرافاتى) الواقعة شمال غرب مدينة دهوك

لذا تولى سعيد آغا بن ديوالي آغا زعامة العشيرة، لاسيما بعد مقتل سفر آغا عام 1924م.

كان سعيد آغا الدوسكي عضواً في البرلمان العراقي لثلاث دورات(11-10-7)، وتقلد نجله ديوالي آغا عضوية البرلمان لدورتين(7-6)، ونال نجله الحقوقي جياي آغا عضوية البرلمان العراقي في العهد الجمهوري، وكان قاضياً في المحكمة العليا لدى قيادة الحركة الكردية ايام حكم الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني ما بين سنوات 1973- 1975م، ونال نجله الاخر المحامي سعيد آغا عضوية البرلمان العراقي ايضاً، فيما تبوأ نجله الآخر الدكتور قيس ديوالي آغا عضوية أول برلمان كوردستاني بعد انتفاضة آذار 1991م(= توفي إثر مرض عضال قبل أكثر من سنة).

وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003م ، حصل ابن أخ ديوالي آغا الحقوقي سلار عصمت سعيد آغا على عضوية البرلمان العراقي عن

مدينة دهوك، بعدها نال ابن شقيقه الحقوقي بيار طاهر آغا عضوية برلمان كردستان عن مدينة دهوك ولا يزال.

يبدو أنه لم تحظ اسرة كردية حسب علمي؛ بما حظيت به اسرة ديوالي آغا سعيد آغا الدوسكي من تبوأ عضوية البرلمان العراقي والكردستاني في العهدين الملكي والجمهوري على حد سواء.

ومن يريد أن يعلم ما يكنه أهالي دهوك وأطرافها خاصة ومنطقة بهدينان عامة من محبة وتقدير وعرفان لهذه الاسرة الكريمة، ما جرى في مراسم التشييع والعزاء لنجل سربست آغا بن ديوالي آغا ، الشاب الوديع الوسيم المأسوف عليه ( بارز) الذي توفي إثر حادث سيارة مؤسف على طريق اربيل – دهوك مؤخراً، حيث كان بداية موكب التشييع في قرية (كرمافا) الواقعة على بعد حوالي عشرة كيلومترات شمال دهوك، ونهايتها في دهوك، والازدحام على أشده في شوارع دهوك، نتمنى من الله العلي القدير الرحمة للفقيد الشاب، ولاهله الصبر والسلوان.

أحدث المقالات

أحدث المقالات