23 ديسمبر، 2024 5:23 ص

يمتاز النظام الإسلامي عن غيره من الأنظمة بالواقعية في معالجة الأزمات والعقبات من دون التجاوز على حقوق الآخرين ومصادرته بحجج واهية يرفضها العقل والمنطق وهذا الأمر يكشفه كل عاقل وباحث منصف نظر بإمعان في تاريخ الإسلام المشرق .
فإعلان الطوارئ الذي تلجأ له الحكومات بظروف استثنائية كحدوث اضطراب أو انقلاب عسكري أو حرب , فيتم إلغاء الدستور وركن القوانين خلف الظهور وإطلاق يد العسكر ليعيثوا في الأرض فسادا بفرض أحكام عرفية وتقيد الحريات وسلب الحقوق وتفتيش المنازل بلا إذن والاعتقال على الشبهة والظنة وفرض الإقامة الجبرية ومنع التجمعات وتعطيل الإعلام وإخضاعه لرقابة شديدة وإقامة محاكم ميدانية وحل المجالس التشريعية وتجميد الانتخابات .
ولفداحة القانون تحاول بعض الحكومات التمويه وخداع الرأي العام بتغيير تسميته إلى قانون السلامة الوطنية أو ما شابه ذلك وهو في حقيقة الأمر قانون لسلب الحريات والحقوق ’ وعلى الرغم من ورود حالة الطوارئ ضمن دساتير أفضل ديمقراطيات دول العالم كفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا إلا أن ذلك لا يدل على مشروعيتها بل العكس يدل على عجزها بالمحافظة على حريات المجتمع في ظل ظروف ومتغيرات استثنائية والعودة بالمجتمع إلى قانون الغاب والتسلط من دون رقيب ولا حتى حسيب .
والمثير للاستغراب ممارسة بعض الحكومات المدعية للإسلام حالة الطوارئ بحجة مواجهة الاحتجاجات والاضطرابات التي تشهدها بلدانهم من قبل معارضيهم كما فعل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي فرض الطوارئ في بلاده 18 عاما, متناسين أنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه طوارئ كونها حالة غير منسجمة مع الفطرة الإنسانية ’ وتسلب الإرادة الحرة وتؤسس للاستبداد والديكتاتورية وتلغي القوانين المنظمة لشؤون الدولة .
إن الإسلام كنظام سياسي لا يوجد فيه قانون واحد للظروف الاعتيادية وآخر للظروف الاستثنائية بل هو قانون واحد, فعلى الرغم من المؤامرات التي واجهت الرسول الأعظم ( ص ) من قبل الكافرين والمنافقين أيام إدارته الدولة الإسلامية لم يستخدم حالة الطوارئ بل عمل على تكريس الحريات والحقوق بما لم يشهد العالم نظيره وقصة “اذهبوا فأنتم الطلقاء” والعفو عن أهل مكة خير شاهد, كما عانى الإمام علي عليه السلام أيام خلافته من اضطرابات سياسية وفتن داخلية وحروب متعددة مع معاوية والخوارج وأصحاب الجمل , ومع ذلك لم نسمع أنه أعلن حالة طوارئ أو فرض أحكاما عرفية ولا مارس إقامة جبرية أو اعتقل أو ضيق على خصومه السياسيين فقد قال للخوارج “عندنا ثلاث خصال لا نمنعكم مساجد الله أن تصلوا فيها , ولانمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا , ولا نبدؤكم بحرب حتى تبدؤونا”, هذه الأحداث والوقائع كلها تدل بما لا يقبل الشك على أن حرية الإنسان وحقه في العيش بكرامة بقطع النظر عن فكره ومعتقده من أهم مبادئ النظام الإسلامي وفوق كل اعتبار ولا يجوز سلبها أو إلغاؤها أو مصادرته ولو مؤقتا بأي ذريعة كانت , وبذلك أغلق الإسلام الباب بوجه الدول والحكومات التي تتوسل بحالة الطوارئ أو الأحكام العرفية لمصادرة حريات المجتمع وحقوقه.