18 ديسمبر، 2024 10:48 م

لا أحد يرافقني، فأنا أريد أن أقف أمامه بطولي، لأقول له: سيدي عذراً.. لا أحد يستطيع أن يستغني عن خدماتي، جميع القوانين تدرك أن المتطوعين فدائيين، وعليهم أن يختاروا الموقف الذي يتقدمون به الى الله تعالى.. جئتك مرتدياً ثيابي العسكرية؛ لأنني أرفض يا سيدي التسريح، أرفض الراتب التقاعدي، أرفض أن أعيش في بيتي مريضاً منزوياً تستعطف الناس حالتي، أسمع صخب القنابل وأزيز الرصاص نبضات قلب، ألم تؤالف ساحات الحروب؟ ألا تعرف معنى أن تساهم في انتصار بلد؟ هل جربت أن ترفع اصبعين بوجه الأعداء علامة نصر.

لم أصدق أن أمراً ادارياً يقدر أن يحيلني الى ركام انسان، كل هذا الغضب الذي ينتابني، والسيد الآمر ينظر إليّ بدموع عينيه، لا كلام لديه سوى عينيه وكلام العيون لا مجال له في الحروب، لا تدر وجهك عني سيدي، الصمت لا يشفع لأحد مهما كان علو شأنه، انظر إليّ: هل تعرفني؟

هل تتذكر اسمي؟ هل هي اصابتي الأولى؛ كي تستغني اليوم عني؟ صاح الآمر، ماذا يا زهير بعد؟ لقد نخرت لي قلبي، أنا أعرفك جيداً، وأقر أنك خبير متفجرات من أمهر الخبراء، وأشهد أنك من أمهر الخبراء، وأشهد لك بمواقف كبيرة اديتها في قضاء بيجي.

كنت فعلاً لا يقاوم يا زهير، ساهمت بشكل مباشر في تحرير الكثير من المدن… أنت بطل.. قلت: يا سيدي دعني ارفع لك مظلمتي؟ قاطعني السيد الآمر: دعني اكمل أولاً تلك ملفات رضى، لقد احتفظت لك بتاريخ حافل بالشجاعة، فماذا تريد بعد؟

أجبت: سيدي.. أريد أن أكمل مسيرتي، ارجوك لا تدعني اتذكر منجزي كموظف متقاعد، هؤلاء الدواعش يعتمدون في حربهم على التفخيخات، فخخوا المدن والشوارع والمزابل والمقابر، فخخوا الحيوانات والأطفال، وفخخوا كتاب الله تعالى، وفي كل بيت زرعوا عشرات المفخخات، ولهذا سيدي يعد مقاتل الهندسية العسكرية وحده بعدد جيش، كيف يا سيدي تريد أن تقيل جيشاً كاملاً من الخدمة؟

أنا زهير، وتاريخي يشهد اني رفعت من قضاء بيجي لوحدها بحدود 450 عبوة، وأبطلت مفعولين لسيارتين مفخختين، وعشرات الأحزمة الناسفة، أبطلتها وهي فوق اجساد الاسرى الدواعش، وبعد كل هذا أجازى بتسريح معوق؟ استحلفك بالله يا سيدي، دع احلامي تغرد هناك، ودعني استقبل موتي فوق تلة أو وادٍ… لي ألفة غريبة مع المخاطرة، أحب اللعب مع الموت، لكني لا أحب انتظاره، عبارات كررتها مع نفسي رتبتها في رأسي؛ كي أعرضها الآن أمامك بلون قلب يفتح أوردته خنادق مواجهة، درعا يقي المقاتلين شر شظايا الانفجار، شريط طويل من الذكريات، فأجابني السيد الآمر بكل هدوء، إذا أردت أن تروي المواقف فهي كثيرة، وأنت أحد الأبطال الكبار.

أشعر الآن اني واقف أمام أي بطل تاريخي سردته لنا مدونات التاريخ، لقد تقدمت الجيوش، ورفعت لفائف الموت عنهم، كنت درعاً عراقياً، لكنك تعرضت الى الموت لعدة مرات، انفجرت في رأسك الكثير من الشظايا، فقدت قدمك عند ابواب بيجي، كانت راية من رايات التضحية والإباء، كيف تريدني أن أعيدك الى المواجهة بقدم واحدة؟

قلت: لم تنصفني يا سيدي أبداً، كيف إذن تقدمني للحياة بقدم واحدة، وتريد مني أن أمارس حياتي بـ(عكازة)؟ ومن يقدر أن يمارس حياته بعكازته، هل يثنيه السعي عن رفع عبوة مزروعة في جسد الأرض؟ لماذا لم تنصفني يا سيدي؟ دعني أقاتل بعكازتي ، أو اشتري لي عربة اتنقل عليها من عبوة لعبوة.. لا تدعني أموت بحسرتي، أرجوك.. ستجدني عند كل المهام صنديداً لا يقاوم، وحين أنال شرف الشهادة يصبح لك الحق أن تفخر بأنك من ساعدني للوصول الى سلم المجد شهيدا..