22 ديسمبر، 2024 7:03 م

خبز البيت ولا كعك الجيران

خبز البيت ولا كعك الجيران

وهذه كناية عن تفضيل القريب على الغريب، والكعك يصنع من الدقيق على شكل إصبع ثم يلف حتى يستدير، والكعك فارسية : كاك، وقد ورد ذكر الكعك في شعر خالد الكاتب في أبيات يرثي بها ذكورته، ويشكو من العنّة والضعف الجنسي:

وكان من قبل رمحاً… فأصبح اليوم كعكهْ

وفي لسان العرب ، الكعك الخبز اليابس، وهو فارسي معرب، وقد رأيت ان أحرّف قليلا مما قاله الشاعر في قضية المنصور التي سم بها وزيره أبا جهم في سويق اللوز، الذي يتخذ من الدقيق والعسل واللوز:

تجنّب طعام الكعك لا تأكلنّه… فأكل طعام الكعك سمّ أبا جهمِ

الشعب العراقي ليس حقلاً للتجارب، ونحن منذ 2003 وحتى الآن لعبنا دور حقل التجارب، وتجربتنا لبعض الكتل في قيادة الدولة وتشكيل الحكومة فشلت تماما، وعلينا ان لا نصمت أو نقاطع كما فعلنا في الانتخابات، بل علينا المشاركة في رأي تشكيل الحكومة، ولا ندع التحالفات تقضي علينا مرة رابعة، فهناك من يريد خياطة ما تمزق وتشتت من أمر هذه الكتل التي جربناها في رئاسة الحكومة والوزارات فكانت فاشلة مئة بالمئة، وهي كاملة فكيف اذا ما جاء احدهم من خارج الحدود لترقيعها، ستكون الحكومة مرقعة أيضاً وبرقع باردة سمجة، وتعود المحاصصة، هذا يدافع عن وزيره وذاك يهرول خلف مكاسب كتلته، وهذا كله بسبب كعك الجيران، هذه المرة نريد ان نأكل خبز البيت وسنحكم بعد الانتهاء من التجربة؛ ما المكروه في حكومة تكنوقراط غير مسيسة وغير تابعة للأحزاب المتنفذة؟، وما المكروه في ان الوزير سيكون حاضرا للمساءلة والمحاسبة بلا كتلة تنتصر له أو حزب يتعصب لسرقاته؟، وما المكروه في ان نحجم الفاسدين المعتمدين على كتلهم وأحزابهم في التستر على سرقاتهم؟، من الممكن ان تكون هذه الطريقة هي المسمار الأول الذي سيدق بنعش الفساد، وان وزراء التكنوقراط غير المنضوين تحت عباءة الأحزاب سيقومون بمحاربة المدراء العامين المتحزبين الفاسدين، وربما سيقومون بتغييرهم، والمدراء الجدد سيعكسون هذا الأمر على رؤساء الأقسام، وهكذا وربما بظرف أربع سنوات سنقطع شوطاً في تدمير آلة الفساد التي انتشرت في العراق.

من المؤكد ان الرائحة النتنة تنبعث من القمامة، ونحن نعيش مع هذه الرائحة منذ زمن بعيد، دعونا نشم رائحة أخرى وسنحكم ان كان الخلل في أنوفنا ام في آناف الكتل والأحزاب، وفي هذا ورد ان العراقيين يتذمرون من رائحة التيوس لانها نتنة ويصفون التيس بالحمق، والتيس هو ذكر الماعز، وتقول العرب عن النتن والأحمق الذي لا يرجى منه خير: ما هو الا تيس في سفينة، وروى صاحب كتاب الهفوات النادرة: كان أبو محمد الحسن بن سهلان، وزير البويهيين، يورد الفاظاً لا يتحملها أهل العراق، ومنها كان يقول: لا تدرون من معكم في السفينة، وحين دخل بغداد قال لحاجبه: أنت تعرف من أخلاق العراقيين ومذاهبهم في الازدراء بالعجم وعيبهم لهم، وإيراد الحكايات عنهم، وأريدك ان تنبهني الى ما اغفل عنه، فقال له الحاجب: أنت تكثر من قول: لا تدرون من معكم في السفينة، وهذا مايستقبحه العراقيون، فسأله الحسن عن السبب، فقال: انهم يقولون عن الإنسان اذا استحمقوه: هو تيس في سفينة، وما أكثر التيوس في سفينتنا، علّنا نستطيع طردهم لأربع سنوات مقبلة.