يشبه تماما الخوض في بحر عميق متلاطم الامواج ،بعيد القرار لمن لايعرف كُنه البحار..
هو الحديث عن علي ابن ابي طالب ، او الكتابة فيه ، وانى لنا الإحاطة بمن انحدر عنه السيل وعجز ان يرقى اليه الطير ، لعلو شانه وعظيم مكانه ، ولكن لي اسوةٌ بأولئك العاشقين الذين يستبد بهم الهيام فلا حيلة لهم الا ان يبوحوا بمكنونات الصدور ولواعج القلوب .
بلى ..لستُ أجرؤ ان اكتب في عليٍ وصفاته وحكمته وزهده وورعه وبلاغته وشجاعته وفضائله التي اخفاها اولياؤه خوفا وأخفاها اعداؤه حسد وحقدا مع هذا وذاك ظهر منها مايملؤ الخافقين..
الاّ انه جال في خاطري كيف لمن احب علياً ورأه وسمع منه ان لاينصهر في شخصه ويذوب بسحره وتأثيره ، وكيف كان يُعبّئ أصحابه ويخلق منهم (ربيون كثير ) لم يهنوا لما اصابهم في سبيله وماضعفوا عن نصره ولا استكانوا لعدوه ، كيف كان ابو الحسن (( يُكهرب)) المخلصين من اتباعه والمؤمنين به بالكلمات ، فقط بالكلمات .
ان المُطّلع على سير اصحاب امير المؤمنين عليه السلام يجد بوضوح بالغ الأثر العظيم الذي تركه عليه السلام في نفوسهم وكيف كانوا أسودا في الدفاع عن مبادئهم ،وكيف كانوا منقادين له كل الانقياد حتى قال لهم عدوهم (( لقد لمّظكم ابن ابي طالب الجرأة على السلطان )) ، نعم كان خُلّص أصحابه اشداء على أئمة الجور ، وكل ذلك بفضل تأثيره وهيمنته الكاملة في عقولهم ، وكيف لا وانت تجد ريحه القدوسية الآتية منذ أربعة عشر قرنا تملأ إرجاع الكوفة وظهرها ، وقد كنتُ كثيرا ما اتساءل وانا قاصدٌ ارض الغري كيف لرجل مضى بجسده منذ ذاك الزمان ان يحرك مشاعر هذه الملايين العاشقة ويُذكي جذوة الولاء فيها ، الا ان يكون رجلا سماويا مسددا أُوكلت اليه مهمة التأويل لآخر رسالات السماء.
ان القائد الحقيقي الذي يستحق ان يكون محورا لصراع المبادئ واكمال الرسالات ليس ذلك الذي يكون شجاعا فقط ، بل هو الذي يزرع الشجاعة في نفوس اتباعه ويجعل منهم نسخاً متعددة لشخصه ، تقض مضاجع الطغاة في كل جيل وهذه المَلكة لم تكن متاحة حتى لبعض الأنبياء الذين عانوا من مجتمعاتهم مثل الذين قالوا اذهب انت وربك….. انا قاعدون، او الذين قال لهم المسيح وهو بين ظهرانيهم ،” من انصاري الى الله” لما احس من قومه الكفر ، اما في الخندق العلوي تجد أولئك المضحين بكل غالٍ ونفيس لمعلم السماء والذي ادرك الروح العليا وسامرها، كمثل ذاك الفدائي الذي قدم ولده في صراع الحق بين يدي علي حين يسأله اعداؤه بعد موت الامام (( ما أنصفك ابن ابي طالب اذ قتل ولدك وابقى ولده فيجيب بل ماانصفته انا اذبقيتُ وقُتل )) لم يكتفِ بولده بل يتحسر على بقائه بعده ، من هنا تأتي المعرفة الى عظيم النعمة التي كانت موجودة بوجود علي ابن ابي طالب ، وعظيم المصيبة بفقده وغيابه ولَك ان تتخيل حجم الانكسار الكبير الذي عانى منه الُخلّص أصحابه ومواليه ، وهم يرون تضحياتهم وأتعابهم وقد قوضتها يد الجائرين..
ان القيادة الحقيقية والتي ألزمت الحجة جميع المتسنمين زمام السلطة على مر التاريخ لتهتف بهم عالياً انه لن يستحق القيادة الا من كان صانعاً للقادة زارعاً غرسه في نفوس اتباعه ، وليس كهؤلاء الذين يجمعون من حولهم المتملقين ، وماسحي الاكتاف ، فأن كانت السراء كانوا معهم وإذا ابتلوا بضراءَ مستهم قالوا لو ان بيننا وبينهم أمداً بعيداً..
أُنبيك سيدي ياعلي ان الذين يحكمون الناس بأسمك قد قتلوا في نفوس الناس اسمك
أُنبيك انهم بقايا الجناة الذين تواطؤا على اغتيالك وظلمك..
أُنبيك انهم اليوم يدفعون لألف سيفٍ مسموم وملجم مرتزقٍ فقط ليخنقوا صوتك .
ولو جئت اليوم لحاربك الداعون اليك وسمّوك شيوعيا -كما يقول النَوّاب -.
يا امير المؤمنين سافشي لك سرا معلنا ، ان الحاكمين باسمك بعد ان تجروأ على قتل محبيك
عمدوا الى أيتامهم فجوّعوهم والى حقوقهم فسلبوها وهم لازالوا على جرأتهم يتكلمون بأسمك في كل محفل .
يا امير المؤمنين ان أموال المسلمين التي احرقت يد ( عقيل ) كي لا يمسها صارت تحت يد السارقين ، هذا هو الحال وما خفي عنا وعلمته انت سيدي اعظم ، وصدقت وانت القائل : وقد علمتم انه لا ينبغي للوالي على الفروج والدماء والمغانم الأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم ولا المرتشي فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع….
سلامٌ على عليٍ في العالمين