تشير الساعة الى الواحدة والربع بعد منتصف الليل والشارع خالي من المارة ونجوم الليل تتلألأ رغم سواد الليل الحالك… ساعات ويأتي الفجر لتنطلق اضواء الشمس مسرعة ويولد منها نهار جديد..
لم ارى في شوارع الحارة سوى شخصان بينهم مسافات متفاوتة حسبتهم للوهلة الاولى يكلمون انفسهم وهم يسيرون في الطريق وعندما ركزت بصري جيدا تبين لي انهم يحملون اجهزة الموبايل في جيوبهم ويضعون السماعات في آذانهم.. لا اعرف من يكلمهم على الطرف الثاني ولكن ظني ذهب بهم الى حبيبة ساهرة الليل او صديقة باحثة عن امل لأنهاء حياة العزوبية وفي مثل هذه الحالات فقط يكون الموبايل فاعل خير لا اكثر… ضغطت على هورن السيارة ورفعت يدي مؤدي التحية لهم ولكن دون جدوى او جواب منهم فحديثهم مع الطرف الاخر يبدو انه ساخناً جداً….
قبل اربعون سنة من يومنا هذا كنا نسمع في مثل هذه الاوقات صياح الديكة وهي تخاطب الناس وتبشرهم بقدوم الفجر.. وكانت اغلب عوائلنا وخاصة في القرى والارياف تربي في بيوتها كل انواع الدجاج والبط للاستفادة من بيوضها ولحومها البيضاء التي كانت المنجد الرئيسي لبعض العائلات عندما يزورهم ضيف بصورة مفاجئة من منطقة اخرى.. وكان صياح الديكة بعد منتصف الليل له نغمة خاصة..
لم نسمع اليوم تلك السمفونية التي يلحنها هذا الكائن وتحولت اغلب القرى في ريفنا الاخضر الى حياة مدنية معاصرة تجد فيها كل وسائل الحياة العصرية الحديثة….
واختفى صياح الديكة وحل محله اصوات الدراجات النارية والسيارات.. وتغير كل شيء في عالمنا في الكرة الارضية ولكن الليل لم يتغير ومازالت النجوم تلألأ في وجه السماء لتضيف الارض من بعيد.. ومازالت خواطرنا
تأتينا من عالم بعيد يدور في مخيلتنا ليولد لنا كلمات وهمسات نكتبها اليوم لنقرأها ربما بعد سنين بطريقة مختلفة مع عالم آخر بعيدا عن عالم الديكة وعالم النجوم وبعيدا عن عالم العشاق والموبايل وسماعات الاذن. وسهر الليالي وربما يكون عالم آخر تختلف فيه السمفونيات والاغاني فالأغاني السريعة التي يسمعها اليوم الجيل الجديد مختلفة تماما عن اغانينا القديمة ((وهل رأى الحب سكارى مثلنا)) ويبقى ظني اذا ما خاب الامل به ان الجيل الجديد سكارى اكثر منا ولكن ليس بخمر معتق او مغشوش ولكن بموبايل ربما يوصل صاحبه الى حد الادمان…. عافانا الله واياكم من الادمان بكل طرقه ووسائله…