22 ديسمبر، 2024 2:06 م

خاشقجي: الأجل اختصر عليه الطريق

خاشقجي: الأجل اختصر عليه الطريق

اذا صح ادعاء المخابرات البريطانية من ان السيد جمال خاشقجي توفي بسبب جرعة زائدة من المخدر، تم حقنه بها داخل قنصلية بلاده يوم الثلاثاء، الثاني من تشرين الأول الجاري، ربما لتسهيل عملية خطفه وتهريبه الى الرياض بناءا على أوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان حسب معلومات أوردتها الواشنطن بوست أمس الأربعاء عن مصادر إستخباراتية امريكية، اذا صح كل ذلك، فنحن امام حادث قتل غير متعمد، تورطت فيه السلطات السعودية، وان إجراءات اخفائه، سواءا باستخدام منشار او محاليل كيميائية ودفنه داخل مكتب القنصل او محل سكنه الملاصق للقنصلية، او في احد مناطق اسطنبول، او تهريب جثته الى السعودية والتخلص منها هناك، ليست سوى أعمال روتينية ترافق اَي جريمة قتل، يسعى خلالها المجرم الى طمس الأدلة الجنائية.

المعتاد، ان هذه الأعمال تكون في الغالب غبية وتساعد على اكتشاف الحقيقة، كما هو حال الموقف السعودي الآن عندما بادروا الى الإدعاء ان كاميرات القنصلية لا تسجل للتملص من هم إثبات خروج الرجل من القنصلية، او اعلان بن سلمان نفسه قبول تفتيش القنصلية ثم المماطلة في منح الأذن وتأخير دخول فريق التحقيق التركي مما يثير المزيد من الشكوك. لقد أصبحت عبارة “لا توجد جريمة كاملة” قاعدة في العرف الجنائي بسبب فشل المجرمين في طمس واخفاء معالم الشر الذي اقترفوه، ولن يتمكن الجناة، في كل الأحوال، من النجاة وسينجلي الأمر في النهاية.

القتل غير المتعمد، او المتعمد عن سبق استدراج وإصرار وتعمد، كما تفيد تسريبات الجانب التركي، يضعنا امام حالة قدرية هبطت على رأس النظام السعودي لفضح ممارساته القمعية وتماديه في انتهاك حقوق الإنسان ورفعت عنه غطاء المال الذي يحتمي به امام الغرب. وسائل الإعلام ودوائر القرار في دول العالم الأكثر تأثيرا في الأحداث تهتم بالموضوع وتسلط عليه الضوء وتحاصر النظام بالأسئلة وترسم حوله خطوط الشك والإتهام، اضافة الى ان القضية ستترك حتماً تداعيات كبيرة على مجمل الوضع السياسي في الشرق الأوسط، من ايران الى اليمن الى العلاقة المميزة بين ترامب وبن سلمان، اذ ان ثبوت رعاية بن سلمان، شبه المؤكدة، لإحتجاز ومحاولة خطف ومن ثم قتل خاشقجي، ستقضي على مصداقيته وتحرج حلفاءه على حساب تقوية موقف خصومه.

فضيحة من العيار الثقيل يصعب حجب اسقاطاتها السلبية ويستحيل تجاوزها بدون ثمن كما كان الحال في حوادث خطف مشابهة، اقدم عليها النظام ضد بعض أفراد العائلة الحاكمة المتمردين من أوربا بنفس الطريقة، الا ان أجل خاشقجي، على ما يبدو، هو الذي اربك حسابات القتلة وأصبح شوكة في عيونهم قبل حلوقهم، قد تؤشر بداية النهاية لحكمه الفاسد.

كما يقال، لو صبر القاتل على المقتول لكفاه الأجل، فالكتاب سابق والقدر محتوم، بمعنى ان عدم ذهاب خاشقجي الى القنصلية لم يكن لينجيه من الموت مصداقا لقوله تعالى:

(يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ)،

سواءا صحت الأخبار عن موته او لم تصح، رغم توارد الأخبار من ان تركيا متيقنة من الأمر ولديها فيديو حول جريمة القتل، يبدو ان القدر يسخر أجل خاشقجي ضد الظلم والفساد المستشري من جهة، وتحقيقا لما قيل انه عزم خاشقجي البدء بنشاط سياسي او إعلامي مدني، يسلط فيه الضوء على حاجة المنطقة الى الديمقراطية وحرية التعبير والحكم الرشيد، واسترجاع زخم الربيع العربي الذي خسر الجولة الأولى امام الإستبداد والطغيان.

لم تكن المساعي المزعومة للسيد خاشقجي لتثمر بهذه السرعة وبهذا الزخم الجارف بالتأكيد. العديد من المعارضين السعوديين على مر العقود، من مختلف الشرائح الإحتماعية والسياسية، لم يستطيعوا تحقيق اي انجاز يذكر في هذا السبيل بسبب سطوة نفوذ المال السعودي الذي يعطي اجازة للضمير الغربي، راعي الديمقراطية وحارس قيم الحرية وحقوق الإنسان، ليستمر في إدامة اوثق العلاقات مع المملكة الأبعد عن كل تلك المثل والقيم.