عام 1978 تعرفت على شاعرة بولونية في وارشو، مصادفة ، مازلت اتذكر اسمها ” دزز لافا ” ، لديها ديوان شعري واحد ، صادف ان كان بحوزتها في ذلك النهار الطيب في وارشو ، وراحت تقرأ لي قصائدها ثم تترجم الى الانكليزية وانا مثل الاطرش بالزفة ، لااعرف بولوني ولا بالانكليزي شايل نفسي ، على كل حال افترقنا بعد ان اعطتني عنوانها على امل ان نلتقي ذات يوم ..
عام 1979 عدت الى وارشو هارباً من جحيم العنف والاستبداد ، وكان في حقيبة اليد الصغيرة الورقة التي كتبت عليها ” دززلافا” عنوانها ، فخطر لي ان ازورها ،وبعد جهد استقصائي ، عرفت ان علي ان استقل قطاراً من محطة داخل وارشو وان العنوان الذي اقصده يبعد 45 دقيقة بالقطار ، من محطة مازلت احلم بها واتمنى ان تكون لدينا في أي محافظة نص ربع جماليتها وانسيابية الحركة فيها والنظام الذي يحكم آلية عملها من النظافة الى جلوسك على مقعد القاطرة المخصصة !
ورقة العنوان بيدي ويمكن سألت الف سؤال بالانكليزي والاشارة حتى وصلت الى المحطة المطلوبة وهي خارج وارشو ووسط غابة عامرة بالاشجار الباسقة التي تغطي جهتي المحطة وهي عبارة عن مكتب صغير تجلس بداخله امرأة ستينية جميلة المحيا تدخن سجارتها بهدوء وتنفخ دخانها بعيدا من الشباك الذي تتكؤ عليه..
اعانتني هذه المرأة على الوصول لمسكن ” دززلافا ” الشاعرة بديوانها الوحيد ، وكان مسكناً بين مجموعة كبيرة من مساكن متناثرة بتصميم موحد بحديقة واسعة مسيجة ، يحيط بالمشهد الهدوء التام الذي لايعكره سوى نباح كلاب بعيدة ..
لاتتفاجأ عزيزي القارىء ان عرفت فيما بعد ان هذه البيوت بهذه الغابة تمنحها الحكومة للادباء والمفكرين وفي اماكن اخرى ايضاً وتوفر لهم فيها كل اسباب الراحة من بينها اسواقا متنقلة بحافلة كبيرة صباح كل يوم …
اما الكهرباء فيتم الاتفاق مع ابو المولدة الذي بدوره يتفق مع وزارة النفط على عدد الامبيرات التي تمنح لكل اديب ومفكر ..!!
وعندما سألت ” دززلافا ” عن سر هذا التناقض ، اجابتني ضاحكة ، اسأل وزارة ثقافتكم عن منحتك لتدرك انكم تعيشون عصر الرفاهية !