17 نوفمبر، 2024 5:21 م
Search
Close this search box.

خادم .. للدولة

كان الملك فريدريك الثاني يصرح بأنه ليس الا الخادم الأعلى للدولة ، في وقت كان الناس يعمدون فيه الى تملق الملوك ويخلعون عليهم القابا فخمة ما يملؤهم زهوا وصلفا ، كقولهم ( مبعوث الله وخليفته ، ومنفذ مشيئته على الأرض) ،  لكن فريديريك الثاني الذي اعتبر من أذكى الرجال في اوروبا ولقب ب( معجزة العالم) كان مثقفا ، رعى الفنون وشجع العلم واكسبته حكمته ومعرفته سمعة طيبة ، وكان يؤمن بأن تلك الالقاب الفخمة ليس من شأنها ان تملأ نفوس الملوك كبرا بل لابد ان تبث في قلوبهم التواضع والخشوع ان كانوا من اهل الفطنة والذكاء وحسبهم ان يشعروا بانهم مكلفون باداء رسالة ينوء بحملها انسان …وهي الحفاظ على حقوق الانسان ..

من يراقب سلوك بعض المسؤولين في الدول قد يلحظ بعضا من هذا السلوك فهنالك من يسير بين شعبه بلا حمايات ومن يستقل الباص أو يستلم راتبه من الصراف الآلي اسوة بشعبه ، وهنالك من يعود يعود فردا بسيطا يعيش حياة هادئة في مزرعته أو بيته الريفي أو شقته المتواضعة بعد مغادرته  منصبه ولايصر على مواصلة مشوار السياسة لمجرد ان يظل مزهوا بحماياته وصلاحياته ..كم نحتاج الى مثل هؤلاء المسؤولين ، ليس المسؤول الذي يدخل منازل المواطنين ليفحص ( مجمداتهم) أو يغدق عليهم هداياه لتصوره الكاميرات متلذذا بهتافات المواطنين وتبجيلهم له وقد يطلق رصاصات في الهواء تشجيعا لهم ليمعنوا في الاحتفاء به ، وليس المسؤول الذي يقف كتلميذ متواضع أمام ( هوسات) المهوال مستمتعا بما يطلق عليه من صفات استثنائية ..نحتاج الى مسؤول راض عن افعاله وماقدمه للشعب وحريص على تنفيذ مطالبهم ومتابعة أحوالهم بتجرد وصدق ..

لقد جربنا نظام الحكم الجمهوري فلم نجد مثل هذا المسؤول لأن الحاكم في هذا النظام يتولى تنفيذ القوانين التي شرعها بنفسه فتقوم ارادته الخاصة في مقام ارادة الشعب ، ومع شيء من استخدام العنف والارهاب يقابله صمت وخنوع وتأييد وهتافات من قبل الشعب ، يتحول النظام الجمهوري تدريجيا الى حكم استبدادي راسخ فلايزول الا بثورة طاغية او تدخل من دولة خارجية …

ثم جربنا نظام الحكم الديمقراطي ، واثبتت لنا التجربة انه لايلائمنا لأن ارادة الجميع لاتكون ممثلة لارادة الجميع حقا فكل واحد من المسؤولين فيها يريد ان يكون سيدا ، ولابد بالتالي ان يلتف الشعب حول العديدين ويهتف لهم ويتحول مجموع الشعب الى فرق مختلفة الأفكار والتوجهات على الرغم من ان هدفا واحدا يجمع بين كل تلك الفرق وهو السعي الى تصدر المشهد السياسي وتحصيل المكاسب السياسية والمادية ..وكيف سيزول مثل هذا الحكم ؟…بالثورة الطاغية ام الانقلاب العسكري ام بتدخل الدول الخارجية مرة أخرى لازالته …لن يفيدنا ذلك أيضا لاننا لم ولن نحظى يوما بحاكم جمهوري او مسؤول ديمقراطي يمكنه ان يصرح صادقا بانه ليس الا خادما للدولة ..والشعب فقط ..

أحدث المقالات