يتميز التراث البغدادي الاصيل بوجود الصرح العمراني للروضة الكاظمية المقدسة ، منذ حقبة زمنية بعيدة المدى اذ اهتم كثير من الولاة ،الرؤساء ، والسلاطين بهذه البقعة المطهرة والتي تزدان بالذهب والياقوت والفضة واجود انواع الخشب والحديد والنقوش والآيات القرآنية الكريمة . وأمر الشاه عباس الكبير بتشييد المشهد الشريف و بصنع ضريح من الفولاذ من اجل وضعه على الضريحين ليقيهما من حوادث النهب و السلب إثناء المعارك و الفتن ، إلا انه لم يصل إلى الكاظمية حتى سنة 1115هـ بسبب تأزم العلاقات السياسية بين إيران و تركيا. تحتفظ الروضة الكاظمية بكثير من التحف والهدايا النادرة المقدمة من الرؤساء والملوك والزعماء لعدة دول قد زاروا في السابق تلك المدنية الكاظمية من اجل زيارة ائمة اهل البيت ، الاماميين موسى بن جعفر ، ومحمد الجواد عليهم السلام . وقد شهدت الروضة الكاظمية عدة اعمال للأعمار والتطوير خاصة بعد سنة 2003. وبالنسبة إلى مدينة الكاظمية فهناك عدة عوامل منها التاريخية حيث اشتهرت هذه المدينة على مر العصور وكانت لها جذور تاريخية طويلة تمتدّ إلى أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد وهذا ما جعل من العامل التاريخي احد العوامل الرئيسية في نشوء مدينة الكاظمية، بالإضافة إلى العامل الطبيعي من سطح ومناخ وتربة وموارد مائية مما سهل على عدد كبير من الناس إن يسكنوا هذه المنطقة نظراً لوفرة الموارد فيها، بالإضافة إلى العامل الديني الذي يعمل على جذب إعداد كبيرة من الزوار سواء أكانوا من داخل البلاد أم خارجه. وهذه العوامل المذكورة سلفا لم تساعد على نشوء مدينة الكاظمية وإنما ساعدت على جعل المشهد الكاظمي منطقة جذب سياحية دينية مهمة في العراق. ان تاريخ مدينة الكاظمية يعود إلى زمن قديم جداً حيث ساعد هذا الامتداد التاريخي على نشوء هذه المدينة فتشير بعض المصادر التاريخية إلى إن هذه الأرض كانت مسكونة من قبل الكيشيين في أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد ومن المؤكد ان مثل هذا التاريخ جعل هذه المدينة إحدى المدن التاريخية المعروفة في العالم، بالإضافة إلى اكتسابها أهمية دينية إلى جانب الأهمية التاريخية المعروفة وبخاصة بعد دفن الإمامين الكاظمين موسى بن جعفر و محمد بن علي الجواد عليهما السلام مما جعل هذه المدينة من المدن التاريخية و الدينية المعروفة في العالم الإسلامي فشكلت على مر العصور بؤرة استقطاب سكاني وبخاصة حول المشهد الشريف. لقد اختلف الباحثون في تاريخية مدينة الكاظمية و ذلك بسبب عدم وجود المصادر التاريخية التي تنص على هذا التاريخ بشكل واضح. فبعض المصادر التاريخية تؤكد إن ارض الكاظمية القديمة كانت مسكونة من قبل الكيشيين الذين جاءوا في أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد من الجبال الشمالية الشرقية لمنطقة لورستان في إيران يقودهم زعيم اسمه كندش، فاحتلوا مدينة بابل الأولى المعروفة باسم الامورية و كان من ابرز ملوكهم الملك (كاريكالزو) الذي شيد عاصمة جديدة للدولة أطلق عليها اسمه و تعرف إطلالها و تلها العظيم اليوم باسم عقرقوف، و هذا التل هو بقية زقورة المدينة و ارض الكاظمية جزء من تلك العاصمة. وهناك مصادر أخرى تؤكد أن الذي بنى عقرقوف هو الملك كيكاووس الذي أطلق عليه اسم النمرود ونسبت إليه قصة محاربته لنبي الله إبراهيم عليه السلامكما جاء ذكرها في القرآن الكريم . وتؤكد مصادر تاريخية أخرى أن أقدم ذكر للكاظمية كان في العهد الساساني حيث كانت المنطقة عبارة عن بستان لأحد ملوك الفرس و كانت تعرف بطسوج قطربل وهذا الاسم كان معروفا في أواخر القرن الرابع عشر قبل الميلاد و هو القرن الذي أنشأت فيه دولة السلوقيين اليونانيين بعد وفاة الاسكندر المقدوني، و كانت تروى هذه المنطقة من احد فروع نهر دجلة الذي صار يعرف في العصر العربي بنهر الدجيل، و تؤكد مصادر أخرى أن ارض الكاظمية قبل الإسلام كانت مناطق زراعية واسعة تنتشر فيها البساتين والحقول العامرة بأشجارها و محاصيلها، حيث يروى إن كسرى انو شروان الملك الساساني كان يمتلك بستاناً في مدينة بغداد من ناحية الشمال سماه بستان العدل . وتشير بعض المصادر التاريخية إلى إن القرى و المدن الواقعة جنوب الكاظمية و شرقها وجنوبها الغربي كانت قبل الإسلام كثيرة و متعددة تتسلسل و تتلاحق حتى تصل جنوباً إلى مدينة سلوقية عاصمة بابل القديمة، و اقرب تلك القرى غالى الكاظمية قرية سونايا الواقعة في جنوبها الشرقي و هي قرية مشهورة بالعنب الأسود حيث أصبحت هذه القرية فيما بعد محلة تدعى بالعتيقة و فيها مسجد الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام و يعرف بمشهد المنطقة و ما زالت لحد الآن تسمى بالمنطقة بين الكاظمية و الكرخ . و كانت الكاظمية تعرف باسم مقبرة الشوينيزي الصغير وهي تسمية عربية يحتمل أطلاقها عند مجيء الإسلام، و الشوينز في اللغة الحبة السوداء . وابتدأت بعد دفن الإمامين الكاظمين في هذه البقعة الشريفة مرحلة جديدة حيث اتسع السكن ازداد حول مقابر قريش بعد دفن الإمامين و قد دفعت العقيدة الدينية بعض الناس إلى السكن حول المشهد الشريف لحمايته و إدارته و إيواء زائريه، وربما يكون هذا التجمع هو النواة الأولى لهذه المنطقة . في سنة 1207 هـ /1792 م بدأ العمل في المشهد الكاظمي على قدمٍ وساق: تنفيذاً لأوامر آقا محمد شاه القاجاري ، بإكمال ما بدأه الصفويون في هذا المشهد، كإكمال تشييد المنائر الثلاث الكبيرة وإحداث صحنٍ واسعٍ يحفّ بالحرم من جهاته الثلاث: الشرقيّة والجنوبيّة والغربيّة، ويتّصل الجامع الكبير بالحرم من جهته الشمالية، وتمّ تخطيط الصحن بمساحته الموجودة اليوم. – في سنة 1211 هـ/ 1796م قام الشاه فتح علي شاه بأعمال إضافية أخرى بعد وفاة محمد شاه القاجاري، منها: نقش باطن القبّتين بماء الذهب والميناء وقِطع الزجاج الملوّن، وتزيين جدران الروضة كلّها من حدّ الكتيبة القرآنية المعرّقة المحيطة بجدران الحرم من الداخل إلى أعلى الجدار المتّصل بالسقف بقطع المرايا (آينة كار) الجميل المثبت على الخشب،- في سنة 1229 هـ/ 1813 م تم تذهيب القبّتين والمنائر الصغار الأربع وهي من أبرز أعمال هذا الشاه. -في سنة 1255هـ/ 1839 م غُشِّي الإيوان الصغير الذي يشرع فيه باب الرواق في الطارمة الجنوبية بالذهب، بنفقة منوجهر خان الملقّب بمعتمد الدولة. – في سنة 1255 هـ/ 1839 م أيضاً أهدى السلطان محمود الثاني إلى المشهد الكاظمي الستر النبوي، وهو من السندس المطرّز، فأُسدِل على الضريح في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك من السنة المذكورة. – في سنة 1270هـ / 1853 م أرسل ناصر الدين شاه القاجاري ملك إيران أحد علماء عصره المعروفين، وهو الشيخ عبد الحسين الطهراني، المعروف بلقب شيخ العراقيين إلى العراق، للإشراف على تنفيذ مخطّط عمراني واسع للعتبات المقدّسة، من تجديد وإصلاح وتجميل، وخوّله تخويلاً كاملاً في الصرف والتصرّف. -في سنة 1281هـ / 1864 م بدأت الأعمال العمرانية في المشهد الكاظمي، وشملت تجديد الواجهة الخارجية من جدران الحرم وإكساءها بالطابوق الكاشاني وبناء سقف يقوم على 22 عمودا وقد سمي هذا البناء بـ (طارمة باب المراد) وتذهيب الايوان الكبير في وسط هذه الطارمة، كما تم تشييد وبناء سقف آخر يقوم على 14 عمودا من الجهة الجنوبية سميت بـ (طارمة باب القبلة) وانتهى العمل من كل ذلك سنة 1285 هـ/ 1868 م ، بعد إجراء سائر الإصلاحات المطلوبة في المشهد فأصبح آيةً في الفنّ والجمال والإبداع والإحكام. وبسبب الظروف وتدهور في الأوضاع السياسية و الاقتصادية تم نهب المشهد الكاظمي في سنة 448 هـ وتعرض لفيضانات دجلة عدة مرات مما أدى إلى حدوث الكثير من الخراب في الكاظمية بالإضافة إلى ذلك فقد تم في هذه الفترة بناء عدة منشآت للمشهد الشريف مثل دار لاستقبال الضيوف في سنة 569هـ و أصبحت الكاظمية بعد انتهاء العصر العباسي مدينة مستقلة تضم عدداً كبيراً من الناس والمنشآت التابعة لها تبلغ المساحة الكلية للمشهد الكاظمي بما فيه الصحن و الجامع و الأسوار ما يساوي 19575 م2 و قد بني على الطراز العربي الإسلامي على شكل مستطيل ([48]). إما مساحة بناء المشهد الكاظمي بما فيه الحرم و الأروقة والطارمات فهي 3600م2 يحيط بالصحن الكاظمي سور كبير من جهاته الأربع وهو مرتفع بعلو 10م تقريباً وينقسم من الداخل طابقين الأول بنيت فيه الغرف والاواوين وأما الثاني فهو عبارة عن اتصال السور حتى الأعلى. حيث قسمت الاواوين في الصحن الشريف على طول الأسوار الأربعة بمساحة محددة وأشكال بديعة لا تختلف عن بعضها البعض سوى في الرسوم والألوان وهي في غاية الروعة والإبداع ،ويبلغ عدد الاواوين في الصحن ثلاثة و ستين إيوانا .