24 أبريل، 2024 1:59 م
Search
Close this search box.

حُكوُمْة صُقور لا حَمْائم

Facebook
Twitter
LinkedIn

كلنا يترقب بلهفة ورتابه وشك ملامح التشكيلة الحكومية واللمسات الأخيرة للإخراج السينمائي للكابينة الوزارية بزعامة السيد الدكتور حيدر العبادي, وسط تهكمات وتكهنات وتخامين قد تطول وقد تعرض حول البروتارية النهائية, في ظل توجسات يطلقها الجميع بما ستحمله عاصفة الحكومة المرتقبة من مفاجئات خشية أن يُعاد نسخ التجارب السابقة لقيادة المرحلة القادمة,  ونحن نواجه أكبر أخطار الحكومة ألا وهي المدة الدستورية, التي لم يتبق منها إلا القليل, في ظل تنامي العنف وتدخل أطراف سياسية من داخل العملية السياسية تريد عرقلة المسيرة ووضع العصا في عجلة الحكومة المرتقبة, وتعطيل المباحثات بشأنها, حتى تظهر حكومة مشوهه الخُلق وجنيناً يقزز المنظر لا يُلبي الذائقة الوطنية, إضافة للتحديات الامنية والسياسية المُثيرة للقلق وتنامي ذروة الأرهاب وسطوة العنف التي تضرب أكثر مدن العراق حيوية واستراتيجية جيوسياسية, وكل هذا لا يهمنا, ما يهمنا اليوم هو شكل الحكومة ونسختها الجديدة, فلا نأمل أن تكون حكومة مُعاد استنساخها من التجربة السابقة والحكومات اللاتي تشكلت من خلالها معطياتها, التي اثبت فشلها المؤسف والإنهيار المدوي لمقومات الدولة وهدم بناها التحتية, وتفشي الفساد الإداري والأخلاقي, وأزدياد حجم السرقات, والتزوير, والتربح بالمال العام والسعي الجاد لتأسيس نظام سياسي طائفي مُثقل حتى من حمل نفسه, مُفكك ومُشتت, وفاقد للصلاحية كعمل اداري تمثلت بالبيروقراطية المملة, كانت تجربة قاسية بكل المقاييس, فلا نامل أن تكون تراثاً منقولاً لتجارب سياسية جديدة.
 فالحكومة اليوم أمام تحديات مصيرية جِسام قد تهز صميم الدولة وكيانها ووجودها, أو بالأحرى إنها مُطالبة بإعادة ترميم الدولة على أسس مدنية حقيقية, وتجاوز عقبات الماضي بثقافة عصرية متقدة, وعليها ان تخرج من عباءة النمط السابق, وان تنزع جلد الحكومة المهترئ التي كانت تدير مفاصل السلطة بعقلية القرن الرابع الهجري, فلا بد من حكومة شراكة حقيقة مواطنية تراعي حقوق كل الأطياف والأطراف, لا يهم ان تكون حكومة طوائف متعددة لكنها شرط ألا تكون حكومة طائفية تضع معيار الطائفة كبديل عن معيار المواطنة.
  فالسيد العبادي مطالب بحكومة قوية تعالج الإخفاقات السابقة, والعراقيل والإشكاليات التي هددت السلم الأهلي واللحمة الوطنية والتماسك الإجتماعي, من خلال تفعيل نشاط الطائفية وأحياء الخلايا المتطرفة لدى الطوائف المتنازعة على كعكة السلطة وتنامي نشاطهم المسلح, والعمل الجاد بمبادرة تشكيل حكومة تندرج ضمن مسميات حكومة الوفاق والشراكة والتعاون والعمل مشترك, والإستفادة من أخطاء التجارب السابقة خصوصاً مسألة العجز من قيادة الدولة من قبل نظام كحكم (مونوقراطي) متجلبب بنوع من (الثيوقراطية) الذي أضفى القداسة والألهنة لسياساته الداخلية والخارجية, والتأسيس للتفرّد بالحكم, والفشل في استقطاب حتى الضد النوعي للطائفة, وتجاهل مطالب الكتل والأطراف السياسية الأخرى (الشركاء), فمن الضروري النظر بعين العصر وتطلعاته ومعطياته على الواقع في تشكيل حكومة صقور قوية تكون جديرة بالمهمة وبقيادة المرحلة, ونأمل أن تكون مرحلة بناء, وتقدم وإستنبات لقيم الدولة المدنية _ لا الدينية _, وما يجدر بالسيد العبادي هو ألا يُعيد أستنساخ التجربة المريرة السابقة, وألا يُشكل حكومة من بيادق شطرنج, بمعنى عودة الوزراء السابقين إلى الواجهة الحزبية في كابينته الحكومية بمجرد إنتقالهم على رقعة الشطرنج من أبيض إلى أسود, فهو أمر سيزيد المشاكل أشكلة, والأزمة تأزيم بالوقت الذي نتطلع به لعراقٍ جديدٍ مدني يمارس نزر يسير من الديمقراطية التوافقية رغم عدم قناعتنا بمجاراتها وأمكانياتها وعجزها في تحقيق ما يصبو إليه المجتمع العراقي وحل لإشكالياته العالقة.
  ما يريده الشارع العراقي هو كابينه وزاريه تلغي نظرية “لُعبة الشطرنج”, في ظل تناقل الاخبار بإن وزير المالية سيتقلد وزارة النفط, ووزير الداخلية سينال وزارة الدفاع, ووزير التجارة سيكون وزيراً لحقوق الإنسان, والخ من تكهنات لا تصب لا في مصلح الحكومة أولاً ولا في مصلحة الشعب ثانياً, فأي حكومة جديدة بوجوه قديمة قد يقلل من حظوظ مقبوليتها في الشارع المحلي, وربما إنه سيفقد الأمل حتى في التفاعل معها او التعامل وفق سياقتها ونحن بأمس الحاجة لقبول وإجماع شعبي وجماهيري نصد به الأخطار ودرءها من أجل عراقٍ موحدٍ وأمن, فلعبة الشطرنج لن تزيد الوضع إلا خطورة وتفاقم المشاكل لتلد أخرى, إضافة إلى إننا نتوق من السيد العبادي تشكيل حكومة من سرب الصقور, لا من فصيل الحمائم, فالوضع الأمني إستثنائي, والسياسي في حالة يُرثى لها, فليس من مصلحته الإتيان بوزراء سُنه حمائم, أو شيعة مُعاد أستوزارهم في المناصب السيادية, أو كُرد بدون توافقات وحدود دُنيا من المقبولية, فحمائم في سرب صقور سيحدث خللاً في مسيرة الطيران والتحليق, والعكس صحيح تماماً, ووجوه قديمة ستظهر بيروقراطية مُملة في الذائقة الشعبية, ووزراء لا يحظون بقبول قد يُعطلون الجهاز الإداري للدولة, فنلتمس من فخامة السيد العبادي بضرورة تشكيل حكومة من الصقور لا من الحمائم, فالمرحلة حرجة وهي معركة مصير نكون أو لا نكون, وهي مهمة لا تنوء بقيادتها إلا الصقور من المكونات السياسية لحكومة موزائيكية ترضي كل الأذواق, وتُجمع كل الآراء حولها, من أجل الإنسانية التي أطاحت بقيمها فوبيا الطائفية ووباء العنف والتطرّف.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب