17 نوفمبر، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

حُسن الخُلق في فكر الشهيد محمد الصدر(١)

حُسن الخُلق في فكر الشهيد محمد الصدر(١)

لا أريد الحديث عن حُسن الخُلق الذي كان يتحلى به السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره)!!!
بل يمكنني القول بأن التغيير العظيم الذي حصل في المجتمع وإخراج الناس من الظلمات الى النور هو أحد تجليات حُسن الخُلق الذي كان يتحلى به السيد محمد الصدر(قدس سره)..
والكلام هنا عن حُسن الخُلق من منظور السيد محمد الصدر(قدس سره)..
من المعلوم لدى المتتبع لفكر الشهيد محمد الصدر(قدس سره) أن السيد الصدر يعرض الأفكار بمناسبات متعددة ومقامات مختلفة …
فهو لم يقتصر في عرض أفكاره على مؤلفاته بل تعداها الى أساليب أخرى كخطب الجمعة ودروسه ومواعظه وحواراته الصوتية فإذا أراد الباحث أن يستقصي موضوع ما في فكر الشهيد محمد الصدر(قدس سره) فعليه أن لا يقتصر فقط على مؤلفاته فحسب بل لابد من مراعاة كل ما صدر منه وهذا ما يساعد الباحث في فهم مراد السيد محمد الصدر(قدس سره) بشكل واضح وكذلك يتعلّم الباحث كيفية طرح هذه الأفكار بناءاً على ان لكل مقام مقال والتي تندرج تحت عنوان مداراة الناس وتكليمهم على قدر عقولهم..
وحديثنا عن حُسن الخُلق أيضا مشمول لهذا المنهج..!!
كثيرةٌ هي المناسبات التي تحدّث عنها السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) عن حُسن الخُلق.. أهمها كتاب فقه الاخلاق وموسوعة ما وراء الفقه والكثير من مؤلفاته وكذلك لم تخلُ خطب الجمعة من الحديث عن حُسن الخُلق وكذلك الأمر بالنسبة للدروس والمواعظ وهنا ينبغي الإعتذار للقارئ الكريم عن الإحاطة التامة بها كماً ونوعاً ولكن أقتصر على ما تيسّر لي بمقدار فهمي الفاتر وعقلي القاصر كل أملي هو إثارة الباحث في الخوض بهذا الموضوع وغيره من الموضوعات التي تناولتها سابقاً….
فقد ذكرَ السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) تعريفاً لحُسن الخُلق كَشَفَ من خلاله عن الغموض الذي كان يكتنف تعاريف علماء الأخلاق حيث كانوا يعتمدون على التعريف بالحمل الشائع يعني تعريف الشئ من خلال مصاديقه!!!!
أما منهج الشهيد محمد الصدر(قدس سره) فهو يحدّد مفهوم الشيء المُراد تعريفه ثم يتعرض الى بيان مصاديقه وتطبيقاته وهذا موافق للعقلِ والمنطقِ حيث جاء في الجمعة السابعة والثلاثين ما نصه:
( وتحسين الخُلق وإن كان يعني عرفاً مجرد المجاملة مع الآخرين, وهو لا شك من مصاديقها وتطبيقاتها, إلا أن المسالة أوسع من ذلك بطبيعة الحال, فإنه بحسب فهمي يعني وضع الشيء, أو التصرف في موضعه المناسب له وهذا هو العدل أو العدالة, فحُسن الخُلق مساوق للعدالة أو مساوق مع العدالة , والعدالة وإن شملت الآخرين بطبيعة الحال من أصدقاء, وأعداء وأسرة وأخوة وغير ذلك فإن المفروض في الفرد المؤمن أن يكون عادلاً في علاقاته مع أي شخص ويطبّق رضا الله سبحانه وتعالى وتعاليم شريعته في كل مجتمع,إلا أننا ينبغي أن نلتفت الى أن العدل غير خاص بهذا المورد, بل له موارد أخرى, بل لعلها هي الموارد الأهم والأعظم وهي العدل في علاقتك بنفسك, والعدل في علاقتك بربك والعدل في علاقتك بأوليائك (عليهم افضل الصلاة والسلام).
أما علاقتك بنفسك فالنفس متكونة من عقل وقلب وشهوات ونحو ذلك ولكل من هذه الملكات نظامها العادل الإلهي الذي يجب إتباعه والسير على نظامه وإتباع التكامل الحقيقي النوراني له حتى يصبح الفرد المؤمن ممن يحبه الله ويحبونه ويكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأما علاقتك بربك فهي الأهم على الاطلاق وإنما كل العلاقات الأخرى مبنية عليها ومتجهة إليها ولولاها لما كان لها أي معنى وأي مبنى وهذه العلاقة المقدسة لها مراتب بطبيعة الحال
أولها مجرد الإعتقاد بوجود الله وتوحيده.
والثانية محاولة إطاعته في الجملة فيكون الفرد عندئذ ممن عمل عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
والثالثة محاولة طاعته بالإلتزام بالإتيان بجميع الواجبات والكف عن جميع المحرمات ومن هنا ينفتح باب الخيرات والرحمة الإلهية لأن الفرد عندها يكون من المحسنين والله تعالى يقول ((إن رحمة الله قريب من المحسنين)).
ومن هنا نسمعه يقول كما في الرواية في نتائج ذلك ((من حسّن في هذا الشهر خُلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيهه الأقدام)) فإن الجواز على الصراط يعني الذهاب الى الجنة والى رضاء الله سبحانه وتعالى وزلل القدم يعني السقوط في هاوية جهنم أو هاوية الرذائل أياً كانت.
ومن الطبيعي والمعقول جداً أن من كانت علاقته عادلة بينه وبين ربه وبينه وبين نفسه وبينه وبين الآخرين إذن فهذا هو بعينه ثبات القدم على الصراط والجواز عليه الى الجنة فإن هذا الفرد لا شك أنه يكون أهلٌ لذلك بخلاف الآخرين الذين تنقص عدالتهم أو تنتفي في المرة أو يتورطون في مختلف أنواع الزلل والفجور ” والعياذ بالله”)انتهى.
إن السيد محمد الصدر(قدس سره) يبيّن لنا من خلال هذه الخطبة مفهوم الأخلاق الذي هو بنفسه(حُسن الخُلق) وهذا المفهوم الواسع والشامل والدقيق للأخلاق لم يتطرق له علماء الأخلاق مع أنه ليس بمستطاعهم إنكاره!!!!
إن فكر السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) يتميّز بالسعة والدقة والعمق والإلتفات على مستوى المفاهيم والأفكار وعلى مستوى المصاديق والتطبيقات..
إن السيد محمد الصدر(قدس سره) برهن على أن الأخلاق شاملة للعقائد والفقه وأن مفهوم الأخلاق يشمل السلطات الثلاث للدولة (القضائية والتشريعية والتنفيذية) فكل هذه السلطات تستهدف العدل والعدالة كما لا يخفى!!!!!..
إنتهى القسم الأول ويليه إن شاء الله القسم الثاني..

أحدث المقالات