السائد في المجتمعات العربية أن التدين هو الفاعل أما الدين فحالة مفعول بها , بمعنى أن التدين كسلوك يقضي على الدين كروح وجوهر وقيمة إنسانية , ذات خصال رحيمة ومكنونات نبيلة عظيمة.
قد يغضب المتدينون وهم كثرٌ , وعندما تسألهم عن الدين يتلعثمون وينفعلون ويحسبونك شيطانا رجيما , وأنهم من حملة رايات الرحمان الرحيم الذي يرونه وفقا لمناظير أهوائهم وتصوراتهم المنبثقة مما فيهم من المطمورات الرغائبية.
المتدينون من أصحاب اللحى والملابس القصيرة والطويلة , والعمائم الملونة والمسابح المتنوعة والمحابس المتعددة وكل منهم في جبينه طرة , وما أدراك ما هي؟!
وإذا تكلموا إنكشف لك ما فيهم , وتبين معدنهم , وإتضحت مراءاتهم , وتفاعلاتهم مع أباليس الوجود كافة من أجل مصالحهم الترابية , فهم لا يقولون ما يفعلون , ويريدون الآخرين المضللين بهم أن يفعلوا ما يقولونه لهم , ولا يفعلون ما هم يفعلونه , لأنهم يحسبون أنفسهم حالات خاصة ذات درجات قرابة متميزة لربهم الذي فيهم.
فلو كان المتدينون يعرفون الدين حق المعرفة لما أصابه ما أصابه , وهم في مجتمعاته يتحركون ويتمظهرون بالدين , أ فلا يخجلون مما يدور في مجتمعاتهم , ألا يستيقظون , أم أنهم يعمهون بالأباطيل ويفسرون كل شيئ بقميص يفصلونه ويخيطونه على قياسات رغباتهم وإمعانهم بالأفك والبهتان , لكي تمتلئ جيوبهم وتتحقق نوازعهم وغرائزهم المتقنعة بالدين.
المتدينون يتكاثرون وكذلك الفقراء والمساكين والظلمة والسرّاق والفاسدون , وتنتهب ثروات البلاد والعباد وتمتهن القيم والأعراف وتُصادر الحقوق وتنتفي الواجبات , ويغيب الأمن ويهرب السلام , ويتأكد الخوف في ربوع المجتمعات , والمتدينون هم القادة والمتسلطون على رقاب الناس , ويقودنهم إلى الويلات بإسم الدين , وهم وما يمت بصلة إليهم في عزّ ونعيم , ويحسبون ما عندهم رزقا من ربهم , وما يصيب الناس غضب من ربهم عليهم , وما هم إلا ينفذون إرادة ربهم النافذة بالآخرين , ولا تنفذ فيهم أبدا , لأنهم من المقربين , والآخرين من المستبعدين , الذين عليهم أن يكابدوا في الدنيا لكي يكسبوا الآخرة, أما هم فيغنمون الإثنين معا وأكثر.
هذه محنة حضارية إجتماعية قاسية تسببت بالويلات والنكبات , فعندما يتحول النفاق إلى دين وكذلك الفساد والذل والهوان والتبعية , وغيرها من مفردات الإنهيارات الأخلاقية والقيمية والإنسانية , ويكون الدين قشورا ومظاهر وخطب جوفاء وفتاوى حمقاء ودعاوى نكراء , فهذا يعني أن المجتمع قد دخل في مغارات الهلاك وتدحرج لوديان الضياع والإنقراض الأبيد.
ولا يمكن لمجتمع يقبض على عنقه المتدينون أن يتقدم خطوة للأمام , وإنما سيعيش أسيرا وممتهنا ومكبلا بالخرافات والتفسيرات الطوباوية التي تلقمه علقم الأيام , وتنحره في ميادين رغبات كل متدين متحين لفرصة الإنقضاض على صيدٍ سمين.
ولن تفلح المجتمعات إذا إبتلع التدين الدين!!