25 نوفمبر، 2024 5:13 م
Search
Close this search box.

حَرَب المَصَاحْف

حَرَب المَصَاحْف

لشدة ما عشت وشاهدت من مأساة ومعاناة انسانية عن واقع بلدي صرت أحتاج لعابر سبيل يَعصب لي عيناي بجاروبة جندي مارينز هارب من نزال المعركة (!) .. إذ لم أعد قادراً على متابعة المزيد من طوفان الدم في الشوارع وفيضانات الدموع وأعاصير العويل التي تضرب شوارعنا, مبانينا, خرائبنا, قُرانا, ومدائننا, تسونامي على الطريقة الإسلامية (!), .. كيف لا ونحن نقاتل مُسلمين باسم الإسلام, نخوض حرب مقدسة عربٌ ضد عرب, .. نضرب الكعبة بالمنجنيق, ونهدمها حجراً حجراً, ونسوي المساجد, ونحرق المصاحف, وننكس الأعلام وندنس الكنائس, ونُعيث بالأرض المفاسد, ونرفع منسوب الدم إلى أفق السطح حتى ننقذ الجُثث من الغرق والطوفان !!
***
  أتفه الحروب هي أن تقاتل أبناء جلدتك, أن تُحارب “الخَوَال” و”العَمْام”, .. أن تُعلن حرباً مفتوحة مع أبناء دينك ومذهبك, وقمة العار أنْ تستعمل سيوف بدر وصولجانات أُحد, ورماح العامرية, وصولات تبوك, وصرخات القادسية لمحاربة المسلمين, إنْ ما يُذهلني, يُدهشني, هو إنْ جيوشنا العربية تقاتل إسرائيل بأرواب النوم, .. في حين تخوض حرباً مقدسة ودامية, وهي مُدججة بأعنف الأسلحة والدروع الفائقة ضد شعوبها, .. أيُها العالم لماذا تلعب معنا دور الشاهد الزور!!
***
أُمة تحارب بأسم الرب ضد الرب, أطرافها عرب وعرب, عقيدتها إسلام ضد إسلام, يشهرون المصاحْف في وجوه المصاحف, .. كُلٍ يولي طائفته قداسه ورهبة, ويصنعون لقباحتهم تأليه, .. كُلٍ يصرح من منبره, يُكبر, يدعو الناس إلى الحشد والتطرّف, إلى الدخول في قاعة أبو جهل للأعراس الدموية والمناسبات الدينية, ويَعوي في مسامع الناس بإنها حربٌ مقدسة, حرب من أجل العقيدة, من أجل الكرامة, من أجل المقدسات, حربٌ من أجل الشرف, .. فأين هو الشرف من قتلكم لمسلمٍ برئ!
 وأين الشرف من فضكم لبكارات الحرائر!
وأين الشرف من هدم البيوت والمساجد والحسينيات والكنائس والمعابد
وأين الشرف من ترميل الأخوات والأمهات
أيُها العرب: هل ما زلتم عرب !!!
***
  أيُها العرب: إنكم لم تخوضوا حرباً مقدسة ضد عدوكم .. إنكم تخوضون حرب الرب ضد الرب, حرب الله ضد الله .. ويحكم مما تصنعون, الطائفة تعد لكم الخمر وتوعدكم بمزيد من المن والسلوى, والعقيدة تحشو غليوناتكم بدخان المحارق والثأر والانتقام, والحزب يعد لكم حواري الأرض العاهرات من مُززٍ وجاريات وبنات ليلٍ أحمر, والمذهبية محطة وقود للتزود بالعنف والهمجية والكراهية, بالعداد (!) .. أيُها العرب بعد عشرين عاماً من حربكم, سأعود إليكم … وأنا موقن بإني لن أجد أحداً يروي لنا قصة ما حدث إلا قبوراً مترامية الأطراف, وأجيال إلكترونية, وأحفاد مشوهة وجوههم بفعل نابالكم المقدس, وثمة جماعات هنا وهناك يُقال إنهم بقايا الناجين من الحروب الأهلية بخطاف المنفى والتخنْدق المذهبي.
***
أيُها العَرَبَ الأقحاح في الطائفية والقتل والترويع (!!), .. بعد هذا النصر المؤزر بكؤوس خمر المقدسات من اغتيال واقتتال وسفك دماء, خمرٍ, ووقود, ونزيف, ودموع وعويل مجاني, كما تُسكب أي عبوة ماء أو علبة بيبسي (!) .. واغتصاب وانتهاك وقتل وتشريد, .. هل انتم راضون على تاريخكم .. هل أنصفتم عقيدتكم .. هل انتصرت طائفتكم .. فمن فيكم هو الفرقة الناجية .. وانتم كلم ضحايا وجُثث واشلاء ومقابر ومزارات لمراحيض التاريخ!!
  ***
 لم يعد هناك بقايا للفرقة الناجية, .. كل الأمة فرقةٍ غارقة بوحول التطرّف وأسيان التفكير السلبي للنصوص المقدسة, وكلكم أمةٍ هالكة توضئت بدم الأبرياء, وصلت على قبلة تل ابيت, أسبلت أو أكتفت, _ لا ضير _ فهي صلاة ميت على ميت !!
 ***
اليوم وبعد خمسون عاماً على استقلال العرب, يعلنون إطلاق أول مأذنة إلى السماء!
أيُعجبكم هذه الفكاهة الموجعة, .. يا أرامل العرب الأقحاح في العوّيل

أحدث المقالات

أحدث المقالات