ليس هناك من قضية وموضوع مركزي وكبير يشغل العراق والعراقي مثل موضوع الفساد، الفساد بكافة صوره، الاداري والسياسي والاخلاقي، في كافة المجالات والصعد، والذي أصبح عملة رائجة وثقافة سائدة في بلاد الرافدين، من قبل قادة البلاد وحكامه والساسة والمسؤولين، بل يعد فساد الدولة بسلطاتها الثلاث، أُس الفساد وعماده، والمحرك الفاعل والكبير لكل فساد وطغيان وخراب في مؤسسات الدولة، بل يعد الفساد السياسي والحكومي في العراق المحُفز والمشُجع الاساس لكل فساد آخر، واذا كانت هذه السلطات الحاكمة والقائدة والتي تعد أعلى سلطة في البلاد، هي من تفسد وتقود الفساد وراعية له وتحميه بما توفر لها من سند قانوني وفذلكات دستورية وقضائية، فماذا يفعل الانسان العادي والمواطن البسيط ؟ لقد تساهلت هذه السلطات وزعمائها وتسامحت كثيراً في ادارة الملفات السياسية والحكومية والقانونية، وعدم احقاق الحق وابطال الباطل، بل السعي الجاد والدائم لاحقاق الباطل وابطال الحق، وهذا ما نلمسه بوضوح بأم أعيننا، وتحت مرأى ومسمع الجميع، والتوافق والاتفاق السياسي والحزبي في ادارة البلد وفق الصورة السيئة والكريهة والمدمرة من قبل لصوص السياسة وسراق البلاد وقادة الفساد وقتلة العباد.
لا أدري ما هو السر الذي يقف وراء تنامي وتزايد ظاهرة الفساد السياسي والحكومي والقضائي في العراق، في ظل النظام الديمقراطي، الذي يتيح للشعب محاسبة الفاسدين وازاحتهم، ولكن صوت الشعب وتظاهرهم وخروجهم المستمر على هؤلاء الفاسدين والمدمرين للبلد، لم تزح ساسة الفساد وحكامه، بل تآزر هؤلاء وتخندقوا بجبهة واحدة ضد الشعب وصوت الحق، لتتضح صورتهم السيئة والمقرفة بشكل أكبر وأقرب أمام الملأ، دون خوف أو خشية من أحد، لأنهم يتسلحون بالمال والرجال والكتل والاحزاب والقضاء، وهذه هي الطامة الكبرى في العراق الديمقراطي الجديد، كل شيء مباح للفاسدين ومتاح لهم الا الحساب والعقاب، فهو متاح للشعب والمظلومين فقط، وعندئذٍ أقرأ على البلد السلام، فحكامه جلادوه، وساسته لصوصه، وقادته مصاصوا دمائه وثرواته، وهذا وضع بلاد الرافدين بكافة فئاته وطوائفه وقومياته، فهم سواسية في المحرومية والمظلومية والمأساوية، وقادتهم وأحزابهم عادلون في الظلم والفساد لا يفرقون بين شخص وآخر من مكون أو طائفة، وهذا ما جعل العراق ساحة محتدمة ومشتعلة لا تخمد من قبل جميع الفاسدين وقادة الفساد، دون رحمة أو عدل أو مراعاة للعباد.
لقد أُعلن مراراً وتكراراً لحجم الفساد ودرجته في العراق، من قبل مؤسسات عالمية، أعلنت ذلك وشخصته وأذاعته على الملأ، وتصدر العراق الدول العربية والاجنبية في نسبة الفساد، ولكن أعلان ذلك وبيانه جعل الكثير من الفاسدين يرفضون هذا الامر وتم شجبه وأستنكاره من قبلهم، ولكن واقع الحال يدل صراحة على ذلك وصدقه دون شك أو ريب، فالعراق بلد منهار ومدمر بكافة سلطاته ومؤسساته وأجهزته، بسبب الفساد وأرتفاع حجم الفاسدين وقادته، وتصدر الفساد الاداري والحكومي والسياسي قائمة الفساد في العراق، وفساد القمة والقادة هو الذي دمر أركان البلاد وبدد ثرواته وخيراته، وضيع أهله وطاقاته وكوادره، وهجر أبنائه وشبابه، فماذا ننتظر من حال ومآل بعد كل ذلك الوضع المأساوي المزري الذي نحن فيه؟ وهل نرتقب حالاً أسوأ مما نحن فيه اليوم من أنهيار كامل للبلاد والعباد، أم ستُفرج الكُرب والشدد التي تتوالى علينا وتتساقط على رؤوسنا كالمطر؟، وهذا ما نتمناه ونرغب أليه، ولكننا دون تشائم، لا نرى أي تغيير أو أصلاح للحال يلوح في الافق يرتجى من هذه الجماعات التي تقود البلاد، ما دامت جاثمة على صدورنا، ومستغلة لصبرنا وطيبتنا، وسارقة لحقوقنا وثرواتنا.
العملية السياسية في العراق منهارة ومنخورة تماماً، لا شيء يصلحها ويرتقها، لأنها بُنيت على أسس خاطئة جداً، أقيمت على الطائفية والحزبية والمحاصصة والمناطقية والاقصاء والتهميش لمكونات على حساب مكون، وعدم مراعاة الشعب والعمل لخدمته، بل العمل الدائم والجدي لصالح الاحزاب والشخصيات والمصالح الضيقة التي دمرت العراق وأسقطته في أتون حروب ملتهبة ودائمة لن تهدأ أبداً، وهذا هو السبب والعامل الاساس الذي جعل الارهاب والفساد يتكاتفان مع بعضهما البعض لدمار هذا البلد وأنحطاطه، وهذا كله ما كان ليوجد لولا وجود أجندات ومخططات داخلية وخارجية تقود هذا البلد نحو الجحيم، تقوده الكثير من مافيات الاحزاب وعصابات الاجرام المنظم، لأفراغ العراق من كل شيء، وتفكيكه وتدميره وتشظي مكوناته الاجتماعية وافساد منظومته الثقافية والسياسية والدينية والفكرية، عن طريق الكسب الحزبي والاغراء الوظيفي والوعود الذهبية التي تقطع للناس من قبل المتنفذين والاحزاب والساسة، وهذا كله انما جرى تحت مظلة الفساد المنظم الذي يُقاد من قبل شخصيات فاسدة ومروجة للفساد وقائدة له، تتزعم السلطات الثلاث ومؤسسات الدولة، لم يخف تأثيرها ودورها الكبير اليوم على الساحة السياسية والاجتماعية، وتصول وتجول تحت مرأى ومسمع الجميع، دون محاسبة لهم أو رادع، لقوتها وسطوتها وتنفذها في جسد الدولة العراقية، وتسحق كل من يقف بطريقها أو يحاول رفضها وأستأصلها، ولكنها ناسية أن منطق التاريخ وسننه أقوى من كل ما يملكون وما يفعلون، وأن الجماهير أقوى من الطغاة، في كل زمان ومكان، ولكل أجل كتاب، ولكل ظالم وفاسد ومتجبر نهاية عاجلاً أم أجلاً.