22 ديسمبر، 2024 5:55 م

حيّ العرب في كردستان

حيّ العرب في كردستان

لم يألف الكرد بطبيعتهم حالة من التوافد العربي والتدافع داخل الوطن المتنوع باطيافه وقومياته المتآخية على مر التاريخ؛ _ رغم الهفوات الاصطناعيّة المزيفة والمؤدلجة (حزبياً) التي حاول أن يرسمها ويخط لها الغرب الاستعماري من خلال ادواته المحلية (النخب الحاكمة) في العراق على مر فترات الحكم المتعاقبة على إدارة البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 حتى اللحظة؛ حالة غريبة وعجيبة تشاهد عربٍ في أرض الجبال ومدن الزهو والجمال؛ وأنت تتجْول في عاصمة كردستان أو مركز محافظة السليمانية تُشاهد ملامح عربية بكثرة، عقال عربي ودشداشة وعباءة وجبه ويشماغ وزّي عربي أصيل ولكنّه ولسان عربي فصيح؛ لدرجة أصبح مألوفاً جداً مشاهدة العربي وهو يرتدي زّيه العربي ويتجول في بازارات وأسواق كردستان؛ عرفاناً لما قدمته حكومة كردستان للعرب النازحين من جحيم الحرب وويلات الإرهاب وسوء السياسات الخاطئة التي جعلت من العراق ربيع دائم في التشرّد والضياع وتقاطع أسهم الهجرة بين منفى وارتحال وغربة موجعة من الوطن إلى داخل الوطن!!
   الوطن يُشرد الناس، ويستقبلهم يأويهم بمخيمات وبيوتٍ هياكل وصفيح ساخن وأكواخ خربة تنعق بها غربان الشتاء؛ هذا هو مران الحياة في العراق؛ مشهد يُكرر نفسه والتاريخ يُعيد ذاته، ما زالت هناك احياء كردية في داخل المناطق العربية في العراق فهناك حي يُسمى (حي الأكراد) في قلب مدينة سامراء، وحي اخر لهم في الفلوجة، وفي الرمادي، والكرمة، وأحياء متعددة في بغداد العاصمة، وفي الناصرية والعمارة والكوت والحلة، أصبحنا اليوم نتماثل الشيء ذاته بأحياء عربية في كردستان مثل (حي العرب) على غراء (حي الاكراد) ففي أربيل هناك يسمي الكُرد والعرب منطقة شقلاوة بمنطقة “شقلوجة” نسبة لكثرة العرب الفلوجيين المقيمين فيها والذين قد تجاوزت نسبتهم فيها نسبة الكرد أهل الدار أنفسهم، وفي مركز محافظة السليمانية أصبح التمْازج اللغوي وارد وبكثرة، أصبح العرب النازحين ناطقين باللغة الكردية، والكرد صاروا بالمقابل أكثر إجادة للغة العربية وهذه السمة الوحيدة التي يمكن ان نعتبرها من فوائد الطائفية لأنها عرفتنا على شعب وقومية كانت دائماً بمخيلتنا إنها قومية طائفية وعنصرية ذات نزعة عدوانية وكارهه للعرب من خلال آلة الإعلام والتوجيه السياسي المُمْنهج للأنظمة السابقة التي شوهت صورة الكردي في الذاكرة العربية وجعلته يحقد عليه وينقم منه دون أن يعرفه أو يتعرف عليه عن كثب؛ فشكراً للطائفية لأنها عرفتنا على قومية وشعب يستحق إتقان لغته والتطبع والاستفادة من ثقافته الإنسانية التي أذهلت كل العرب المقيمين في حضن جبال الكاكا والذي اعطى للعرب درساً قيماً في الرحمة والانسانية!
  أصبح بمقدور العرب ممارسة كل طقوسهم إلى جانب اخوانهم الكرد الذين قدموا لهم موائد الكرم لما عرفوا به، وإتاحة حق العمل وممارسة طقوسهم وتقاليدهم العروبية خصوصاً وإن الكرد _ انفسهم _؛ قد تطبعوا بالقيم العربية الأصيلة من خلال نافذة الدين (الإسلام)؛ وأخذوا منا الكثير القيم والالتزامات العشائرية والعادات القبلية والتقاليد العربية الأصيلة بحكم القاسم الديني المشترك الذي عضد تلك الصلة ويشد من ترابطها بين القومية العربية والقومية الكردية التي تحتاج اليوم إلى إعادة قراءة فاحصة وجديدة ترفع اللغط الحاصل والشوائب بين العب والكرد التي صنعتها الحكومات السابقة ودشنت للقطيعة بينهما.
   أصبح مقدورنا القول بإن ما يعيشه العراقيين (العرب النازحين) اليوم في كردستان الرحمة والعمل الانساني هو ما يصطلح عليه التسمية (حكومة كردية .. وشعب عربي) نظراً لكثرة للسياسات الخاطئة لأنها عرفتنا عن قيم شعب عظيم برحمته وفعله الانساني عن طريق الخطأ؛ _ أي خطأ الطائفية وأخواتها العاهرات _؛ فرُب ضارة نافعة أفضل بكثير من نفعٍ ضار!!
بأسم النازحين العرب نرفع قبعة التحية إجلالاً لإنسانية مجتمع أعطانا درساً رائعاً في الرحمة والتآخي والتواضع