18 ديسمبر، 2024 9:57 م

لا أدري من هو مؤسس فِكرة مُقايضة الحُريّة والإفلات من السِجن مُقابل تسليم المال المنهوب أو البعض منه إلى الحكومة في العراق.

فُكرة غاية في الفذّلكة والحَرفّنة لاتعدو كونها تشجيعاً للسرقة والنهب تحت شعار إسرق ثم إسرق حتى تُتخم بالمليارات أو تكتفي وحتى ليس شرطاً أن يكون الإكتفاء ولاتخشى في الفساد فضيحة ولومة لائم اوحتى خِشية قانون لأنه في نهاية المطاف ستتم مُقايضة فسادك ببعض المال المنهوب مُقابل إطلاق سراحك.

صفقة تبدو رابحة ومُثمرة بالنسبة لاؤلئك السُرّاق واللصوص في إستعادة دورة حياة الفساد والنهب في كل مرة بعد أن أمِنوا العِقاب المُفترض إنزاله بهم.

حتى الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والأديان التي يؤمنون بها تَقُرّ بِمُعاقبة السارق لِتصل إلى قطع يده فيما لو تم إمساكه بالجُرم المشهود، لكن قانون الجُرم المشهود في العراق هو مُكافأة السارق بتسليم مايمكن الإستغناء عنه مُقابل عدم وقوفه خلف قُضبان السجن.

من المؤكد أنها دعوة بالغة بإسلوب مُنمّق يدعو إلى مُعاودة السرقة لإسترجاع ذلك المال الذي تم تسليمه إلى خزائن الدولة وربما بأصفار مُضاعفة.

فُرصة ذهبية أُتيحتْ إلى السُرّاق والنُّهاب في الإستيلاء على المال العام بكل ما أتوا به من نفوذ وقوة وانقضاض.

في الأمثال قالوا “عِش رَجَباً ترى عَجَباً” لكن العراقيين عاشوا جميع أشهر السنة الهجرية ورأوا العجائب والغرائب من حكايات الفساد وفنونه.

فرضيات غريبة وقانون أغرب لا يُعرف بيئته أو مصدره سوى في العراق لتبرير الفساد والنهب.

ضاع على الشعب حق تقرير عقوبة الحق العام على السارق الذي يثبت تورطّه في السرقة كما هو معروف في دهاليز القانون وأروقة القضاء، وهو الحق الذي يبقى ماثلاً حيث لايُمكن العفو أو التنازل عنه حين غاب وقوف اللصوص تحت قضبان زنازين السجون.

فرضية العفو عن السارق أو الفاسد مُقابل تسليمه جزء من المال المنهوب سَرَديّة مكشوفة لتأطير الفساد أو حتى للتشجيع عليه لاتصلح إلا لِكبار اللصوص أو السُرّاق أو الحيتان كما يُسميهم البعض من مساكين الشعب، أمّا تلك الأسماك الصغيرة تكون المسألة فيها نظر.

شَرعَنة واضحة للفساد وأبوابه وطريقة مُثلى للإفلات من العِقاب أوجدتها منظومة سياسية فاسدة تتقاذف فيما بينها كُرات الفساد، تُحاول أن تتبادل الأدوار أو حتى بالسكوت والتغاضي المُتبادل بين المُتسابقين لِنيل أكبر مايُمكن من المغانم والمال المنهوب.

الفساد أصبح ثقافة في العراق لايُرى بالعين المُجرّدة، له إستراتيجيات مُخيفة وطُرق يتم سلوكها والسير على خُطاها، أساليب مُبرمجة تُتيح للسارق أن يخرج من جريمته كما تخرج (الشعرة من العجين) كما يقول المثل الشعبي.

ويبقى الشعب مُتفرجاً أو شاهداً على أرقام مليارية خيالية مهدورة تُسرق من بطون الجِيّاع الفارغة وتنفُض جيوب المُعدمين لتستقّر أرصدة ومزارع وقصور وشقق فارهة لاؤلئك الذين أجادوا فن السرقة والفساد وبَرِعوا فيه حيث لارادع لهم لأنهم يعلمون أن في نهاية المطاف ستتم المُقايضة، وتلك هي الصفقة الرابحة التي تَشّد على أيديهم وتجعلهم يتمادون في الغيَّ.

إستيقظ العراقيون صباحاً على فضيحة فساد كُبرى لايتقنها إلا مُحترفين تُقدّر بالمليارات كان أبطالها رجال سُلطة وسماسرة ومسؤولين مهووسين بالنهب العام، صفقة سُميّتْ (سَرِقة القَرن) لِعِظم الفساد فيها وضخامة المال المنهوب تقاذفت فيها التُهم بين مسؤولين سابقين وحاليين وتناثرت المليارات بين الشُركاء، في حين غابتْ الصدمة عن وجوه العراقيين وهم يُشاهدون خيرات بلدهم المنهوب لأنهم يعرفون يقيناً أن هذه السرقة هي قطرة في بحر سرقات وطنهم المنكوب ويُدركون أن غداً سيحمل لهم سرقة جديدة بوجوه وعناوين جديدة وربما نفس الوجوه، لكن مايُدهشهم أن عقاب اللصوص كان بإسترجاع مايُمكن الإستغناء عنه من مالٍ مسروق مُقابل الحُريّة من السجن، ذلك من ينطبق عليهم (من أمِنَ العِقاب زاد في الفساد)، حقاً عاش الفساد.