من الشعارات التي كان النظام السابق يجترها منذ بداية السبعينيات، شعار؛ “نفط العرب للعرب” وعلى ضوئه خرج الشعب العراقي المغلوب على أمره في الأزمان كلها، هاتفا بأعلى صوته أهزوجة يؤيد فيها ماذهبت اليه حكومته آنذاك، صارخا بوجه من لا يعرفهم تحديدا “نفط العرب للعرب موتو يارجعية”. وما هي إلا فترة وجيزة حتى ظهر شعاران آخران، حابى فيهما قائلهما الجانب الكردي في العراق، إذ كان القصد أن الأكراد شريكون في الوطن بخيراته جميعها، من ضمنها الذهب الأسود، ففند الشعاران الجديدان ماكان المقصود من القديم، إذ نص أحد الجديدين على أن؛ “نفطنا لنا” والآخر على أن؛ “نفط الشعب للشعب”، والمراد من هذا أن شرائح الشعب جميعها تقتسم هذا المعين الذي لاينضب. واستمر الحال على هذا المنوال، والمواطن العراقي مقتنع أن نفطه له، ومر بظروف أمنية عسيرة وهو باق على يقينه أن نفطه له، وأدخل الحروب عنوة، وجاع وعرّي ومات، وبقي أحفاده يتوارثون الظنون أن نفطهم مازال لهم. وبعد أن (زالت الغمة من هالأمة) وانقشع النظام السابق برأسه وأذنابه وأزلامه، بقي المواطن المسكين على ظنه الشفاف، ونيته الصافية بأن نفطه لن يذهب لغيره فهو حتما له، ولم يعتبر بأن الحروب الى أودت بنفطه مازال مرغما على خوضها، وزاد من طينه بلة فقدان آلاف الهكتارات من أراضي بلده، ومازال الظن كل الظن أن نفطه له. وسُرق النفط وقُسمت نسبه حصصا على الغادي والرائح من حكام بلده، ومازال إصرار المواطن على أن؛ “نفط الشعب للشعب مو للحرامية”، وهو بهذا يوجه إلفات نظر رقيق بلهجة شفافة الى سلاطين بلده، أن ماتقومون به من شفط النفط ليس من حقكم..! وبلغتنا الدارجة كأنه يقول لهم: “اخوان بلا زحمه عليكم لاتمدون اديكم على نفطاتنا يرحم والديكم تره نفطات الشعب للشعب”..!.
تذكرني سكينة المواطن هنا وهدوؤه ببيت شاعرنا الثوري معروف الرصافي -وشتان بين الاثنين- يوم قال:
هبوا واكتبوا صكا للعلى
فإني على موتي به لموقع
إن السرقات السرية والعلنية، المكشوفة والمبطنة، المشرعنة وغير الشرعية، التي دأب على ممارستها حكام العراق السابقون واللاحقون، لم تعد غريبة على منظري السياسة والاقتصاد في ساحة العراق المباحة لمن هب ودب، ولا أشير باصبع الاتهام الى سرقات داعش نفطنا، فهو عدو وغازٍ، ومن غير المستغرب أن تكون أول خصلة يتمتع بها هي سرقة خيرات البلد، لكن اللوم كل اللوم يقع على ابن البلد، ولاسيما متبوئو المراكز العليا وأصحاب الوجاهة فيه، فمن المفترض أنهم أول من يهبّ الى حماية المال العراقي، وأول الحريصين على صيانة خيراته، وبالتالي توجيه ريعها ونفعها الى خدمة البلاد والعباد، فهل هم فاعلون؟ من المؤسف أن الإجابة تأتي دائما؛ كلا لم يكونوا كذلك. بل الأدهى أن اللاحقين لهم من أفانين السرقات مايلتفون بها على القوانين والقواعد والأعراف السائدة، فهم حاذقون في تمرير خدعهم ممرات الثقة وبوابات الاعتماد المشروع، كما أنهم يبلغون من الحذلقة والنباهة حدا، يمكنهم من تلافي الأخطاء التي عادة ما يقع السراق في حبائلها، فيكشفون بأنفسهم خطوط جرائمهم من حيث لايشعرون. أما (جماعتنا) فهم كما يقول المثل؛ “يسرقون الكحل من العين”، وينسلون من سرقاتهم “مثل الشعرة من العجين”، ويبقى المواطن متمسكا بشعاره المعهود؛ (نفط الشعب للشعب) حتى ينضب من أرضه، ورحم والديه من زار وخفف..!.