أن غاية ما يراد من أي مُفكر وعالم وباحث ومحقق أو محلل وكاتب هو أن يكون نافعاً بفكرةٍ ورأي وموقفٍ يجعل المنافع والمكاسب أكثر منها أثرً وتأثيراً في حياة المجتمع بشكل ايجابي لا أن يكون الرأي يدفع باتجاه خسائر وتضحيات ومفاسد وأخطاء أكبر وأكثر،
والحكمة تقول (الرأي الصائب هو ثروة التفكير)
وهذا يدعونا للتساؤل والتعمق أكثر حول الضوابط والآلية والدلائل في تمييز الآراء والمواقف وتحديد أكثرها نفعاً وإلّا فإننا سنقع أمام جملة من التضارب والتصادم الفكري والاضطراب في التشخيص
فلو أخذنا مثال في مواجهة التطرف والتكفير والارهاب بمختلف أشكاله ومُسمياته
فاننا نلاحظ وبشواهد ودلائل الواقع ان ما يُعطى من خسائر كبيرة وكثيرة بشرية ومادية ستجعلنا أمام حيرة ودهشة الجواب
لى اننا لا نستند على أرضية صلبة وأساس متين قائم على شروط وضوابط الجوانب المهنية في أي مؤسسة، من هذا يتبين لنا لماذا في العادة نحن لا نضع الوقاية قبل وقوع الداء والمعضلة وحتى ما نسميه علاج فهو لا يكون شافياً تماماً بل يتركنا في عاهة وعوق ظاهر وكبير ومشوِّه للجسد،
فلم يكن من داعش الداء والبلاء الذي تفشًّى في جسد الأمة وخصوصاً في العراق وسوريا ومواجهته بعد ان تفشَّى وتوسع واحتل وسيطر جراء الصراعات والخلافات وفقدان العمل المهني في المؤسسات وسيطرة الدوافع النفعية الشخصية والفئوية والحزبية على المصلحة العامة والتبعية .
وربما يقال ان سوريا من الاصل هي الحاضنة وان الجهات المتطرفة كانت تتدرب أساساً هناك على مرأى ومسمع النظام والأرصدة الدولية،
وهذا مايجعلنا معنيين اكثر تجاه ما حصل من انتهاك لكرامة العراق وحدوده وتجاوز هيبته وتشريد وتهجير ابناءه وارتكاب المجازر الوحشية وتهديم البنى التحتية لتصل الى المقامات القدسية لأولياء الله والآثار التاريخية المرتبطة بعمق حضارة العراق
فالخطر باقرب دول الجوار لنا ونحن لم ندرك المسؤولية ولم نستعد للخطر القادم بمسمى دولة داعش وانشغل القائمين في ادارة البلد بالحكم لا بالدولة وليس بمستغرب على عقول تفكر بمصلحة الحزب لا مصلحة الشعب
لكن الاكثر غرابة ان يتم استغفال الناس وتغييبها من ان الامور حصلت وانتهى الحال
دون اي محاسبة ومراجعة لاصل ما جرى وكيف ولماذا ومن المستفيد الاكبر
جراء ما حصل الشعب ام الاحزاب وشخوصها الانتهازية ؟!
هل يوجد احد يقول لم نكن نتوقع ان الخطر سيصل الى العراق ؟!
ولو انهم أخذو وانصتو لأكثر من رأي وتحليل وموقف دون الانصات واللجوء فقط للمعالجة العسكرية والتعبئة والدفع بهذا الاتجاه لآراء خالية من أي تفكير مسبق بما ستؤول اليه الأمور من كوارث و ذلك يعني اننا خسرنا كل الحلول حتى لجأنا للقوة.
مع إنه كان يمكن العمل بأفضل مما كان ببدائل أقل تكلفة فيما لو انصتنا لصوت العقل والحكمة والرأي السديد ونداءه في الحيلولة دون وقوع خسائر أكبر
من هنا كانت نداءات السيد المحقق الاستاذ الصرخي متكررة قبل وقُبيل وأثناء وجود داعش وبيان كيفية السيطرة على الدواعش الخوارج المارقة مذ كانوا نسبة قليلة وقبل دخولهم بين المدنيين واختلاطهم مع الناس والعوائل مما جعل عملية الخلاص منهم معقدة مالم تُعطى ضحايا وخسائر كبيرة جداً
وهذه ليست المرة الأولى ولا الخطأ الكارثي الأول الذي يدفع ثمنه العراق وأبناءه جراء تغييب صوت العقل والحكمة والتشخيص الدقيق والتحليل الموضوعي في معالجة أي مشكلة ،فليست اصوات المدافع هي التي تأتي بالخلاص وان سميت حلولاً فهي حلول بعد والوقوع في الفخ والأهم هو اننا لا نقع في ذلك الفخ مرة أخرى
فكم تردّد صوت العقل منادياً بضرورة عدم الانجرار وراء الفتن والطائفية المقيتة وعدم التبعية والتفكير بجدية ونقاء وشعور حقيقي بالمسؤولية في استيعاب كافة ابناء البلد بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم وطوائفهم ودياناتهم
وكم مرة تردد النداء بضرورة ان لا تكون اختياراتنا لمن يمثلنا بتعصب مذهبي أو قبلي
لكن مالذي حصل ؟!
لم يُستمع ولم ينصت الكثير لصوت الحكمة ولم يؤخذ بالرأي السديد
بل كان الرأي غير السديد بنظرهم وبترويج فضائياتهم هو الأصح والأصوب والأكثر منفعة مع ان الواقع يشهد اننا نتخبط من أزمة الى أزمة ولا خلاص ولا أمان ولا سلام ولا طمأنينة في ضل هذه الاخطاء والاراء والمواقف الكارثية التي جعلت البلد ينحدر من سيء الى اسوء .