حين يعود الفاسدون إلى المسرح وتغيب العدالة عن المشهد

حين يعود الفاسدون إلى المسرح وتغيب العدالة عن المشهد

كان هنالك أمل بأن تغادر تلك الوجوه العتيقة الساحة السياسية أن تترك المجال لجيلٍ جديد يحمل روحًا مختلفة وأفكارًا أكثر نقاءً واندفاعًا نحو البناء لا التسلط نحو الوطن لا الحزب ولكن سرعان ما تلاشى ذلك الأمل حين عادت تلك الوجوه مرة أخرى بنفس الخطاب بنفس الوعود بنفس التسلّط كأن العراق لم ينجب غيرهم ولم يعرف سواهم ولم ينضج فيه غيرهم

الأمر أصبح أكثر قسوة حين تُفرض علينا هذه الوجوه تحت غطاء الديمقراطية الشكلية تُعاد إنتاجها بكل استحقاق انتخابي تحت عنوان الطائفة والزعيم والعائلة وكأن الدماء الجديدة محرّمة وكأن روح التغيير خيانة لما يسمونه الثوابت والثوابت هنا ليست المبادئ بل المصالح والمواقع والامتيازات

والموجع أكثر أن ترى البسطاء يُستَغلّون من جديد تُعاد برمجتهم بعقلية الطائفة الضيقة يُدفعون لترويج خطاب تافه يختزل الوطن في طائفة ويختزل المواطنة في عرق ومذهب تسمع من يقول إذا لم تنتخب الشيعي فلن تبقى سلطتنا وكأن السلطة صك طائفي لا مسؤولية وطنية ويقابله من يصرخ إذا لم تنتخب السني فلن نستعيد الحكم وكأن الحكم غنيمة لا تكليف تختلط الهويات بالمصالح وتغيب الوطنية في خضمّ هذا الصراع المُهندس على أساس المذهب والدم والانتماء القبلي والأدهى من ذلك أن يتصدر المشهد ذاته أولئك الذين دمّروا البلد بالأمس يعيدون تقديم أنفسهم اليوم مصلحين ومنقذين متناسين أنهم السبب في الخراب والفوضى والتراجع عجبًا لهذه البضاعة الفاسدة التي أكلت من خيرات العراق وأغرقت شعبه في الدم والفقر والخراب تعود بكل وقاحة لتعرض نفسها مجددًا على رفوف السياسة والكارثة أن من دمّر البلد هو ذاته من يرفع اليوم شعار الإصلاح من نهب خزينته هو ذاته من يَعِد بالنهضة من هدم مؤسساته هو ذاته من يتحدث عن الدولة نحن اليوم أمام مسرحية انتخابية لا تختلف عن سابقاتها تُكتب فصولها في غرف مغلقة وتُدار خلف ستار كثيف من التحاصص والولاءات وتُعرض على جمهور يتألم ويئنّ لكنه يُجبر على التصفيق إما بدافع الخوف أو بدافع الطائفة لسنا بحاجة إلى من يحمينا لأنه من طائفتنا ولا من يحكمنا لأنه يشبهنا في العرق أو اللهجة نحن بحاجة إلى من ينتمي إلى العراق قبل أي انتماء آخر إلى حاكم لا يسأل المواطن عن مذهبه بل عن أحلامه وطموحه إلى مسؤول لا يبكي على الماضي بل يعمل من أجل المستقبل نحن بحاجة إلى من ينهض بالاقتصاد لا من ينهب الميزانية بحاجة إلى من يشيد المصانع لا من يكدس المليشيات بحاجة إلى من يفتح المدارس لا من يغلق العقول بحاجة إلى من يؤمن أن العراق لكل العراقيين لا لفئة دون أخرى لا لحزب دون غيره

هذه ليست انتخابات بل إعادة تدوير للخذلان ما لم يُكسر هذا النمط ما لم يستفق المواطن ويعي أن الوطن لا يُبنى بأصواتٍ مخدوعة ولا يُنهض بقيادات متحجرة وأن العدالة لا تصدر من بطون الطوائف بل من ضمير الدولة ما نحتاجه اليوم ليس مرشحًا يحمل راية طائفته بل رجل دولة يحمل عبء الوطن لا نريد أن نعرف مذهبه ولا نسبه بل نريد أن نراه يبني طريقًا مدرسةً مصنعًا نريد عراقًا يقوده أبناؤه لا جلّادوه نريده وطنًا لا غنيمة دولة لا مزرعة دولة تنظر للمستقبل لا تعيش في جحيم الماضي

وما لم نرفض هذا الواقع المريض فلن يتغير شيء وسيبقى العراق أسير وجوه لم تكتفِ بخرابه بل عادت لتكمل دفنه .