من طريف الحكايات، يروى أن شخصا كان يدعي أن بإمكانه طفر مسافة عشرين مترا على الأرض من دون أن يجهد نفسه، وقطعا مسافة كهذه لايحققها حتى أمهر المخلوقات بالوثوب والقفز. ولما ضاق الناس ذرعا بتبجحه المستمر بهذه القابلية، أتوا به الى ساحة واسعة وطلبوا منه أداء قفزته الفريدة التي يدعي بها، فما كان منه إلا أن قال انه يمارس هذه القفزة في الشام وليس في العراق!.
ساقتبس أكذوبة صاحبنا، وسأعده صادقا في ادعائه، بغية المقارنة -ليس إلا- بأشخاص هم اليوم يطفون على سطح الأحداث التي تمس حياة المواطن والبلد ومستقبلهما. فعادة ما تعلن جهات أمنية او عسكرية عن إلقاء القبض على قيادات بارزة في عصابات داعش، وأحيانا يتم الكشف عن هوياتهم وأسمائهم. وأذكر خيرا بثته جهة أمنية في بداية احتلال داعش محافظة نينوى، مفاده أن بعض هؤلاء القياديين كانوا قد خدموا في الجيش العراقي السابق، وقد سبق أن تم إلقاء القبض عليهم في السنوات 2004- 2005 -2006- 2007 وأطلق سراحهم بعد قضاء بضع سنين في السجون العراقية. وقد ذهبوا جميعهم -بعد ان أصبحوا أحرارا- الى سوريا، حيث مارسوا نشاطاتهم بصلاحيات اوسع وإمكانيات أكبر وتأثيرات أكثر شمولا وأعم ضررا. وهي نتيجة متوقعة لمن أوغل في الجريمة والإرهاب، ولن يكون الحبس رادعا ولا السجن مؤدبا له، بعد أن تلطخ من هامة رأسه حتى أخمص قدميه بدماء هي أشرف من كل معتقداته ومبادئه التي يدعيها.
إن السبب في تمادي هؤلاء بإجرامهم يعود الى إطلاق سراحهم حينذاك، وإخلاء سبيلهم ليسرحوا ويمرحوا فيعيثون في العراق وغيره فسادا، بغياب الرقيب والقانون وقبل هذا وذاك الضمير والشرف، وتركهم على غارب حبل المحاسبة والعقاب الشديد، في الوقت الذي كان حريا بالحاكمين؛ العسكري والمدني والقضائي، أن يحكِّموا حبل المشنقة حول رقبة أشخاص كهؤلاء، من دونما شفقة بهم. إذ كان الأولى -بعد ثبوت إدانتهم- تنفيذ حكم الإعدام بهم.
من المؤكد ان جيشا كالجيش العراقي مشهودا له بالمواقف الوطنية والقومية طيلة الثلاثة وتسعين عاما من عمره، مازال يحمل في هيكله وبنائه ذات القيم والمبادئ -حتى في زمن المقبور- غير أن ثلة من الشخوص هم في تركيبتهم شاذون عن باقي العراقيين، وناشزون في عزفهم للحب والسلام، فكان الإجرام يجري في عروقهم، وهم موجودون أيضا في باقي قطاعات الدولة، سواء أعسكريين كانوا أم مدنيين! وفي قطاع الجيش او التجارة او الصناعة او المالية او حتى في المهن الإنسانية كالطب والصيدلة واللغات والقانون، كان أبطالها يحتلون الصدارة في المجتمع العراقي، ومنهم من لم يكن في مناصب قيادية، لكن سياسة النظام المقبور كانت تبحث عن مثل هؤلاء، وتنتقيهم من أوكار الجريمة، وترفع شأنهم لغايات قمع الشعب وإشاعة الرعب والخوف بين مواطنيه.
وبعودة الى صاحبنا (بطل القفز العريض) أرى أن الأرض واحدة، فمن يكمن الشر في قلبه ويعشعش البغض والحقد والكره في عقله، تكون كل بقاع الأرض خصبة لشروره، إن كان في الجيش السابق أم اللاحق!. وكذلك من ترتقي نفسه الى المحبة والسلام والوئام، فالأرض كلها مفروشة أمامه بالحب والورد والسلام، وتدعوه لنثر بذور المحبة بين الناس، وللإثنين الخيار بينهما، لكن..! كما يقول مثلنا: (كلمن يرده حليبه).