ما حدث في خان شيخون السورية وقبلها في حلبجة العراقية هو مناسبة لاستعراض التطور الذي طرأ على مزاج القتل. فالقاتل المجهول لن يكون أحدا بعينه. وهو ما يحرر الجميع من المسؤولية.
القتلى هناك نحن. لا يحتاج القتلى إلى أسماء. لن يسألنا أحد في السماء عن أسماء قتلتنا. كما أن القتلة لن يسألهم أحد في الأرض عن أسمائهم. القتلة معفيون في السماء كما في الأرض. سنكون مضطرين إلى الاستفهام عن معنى تلك العدالة الناقصة.
“القاتل مجهول” عبارة صادمة ومجنونة حين يتعلق الأمر بمجتمعات لا ترى في القتل حلا، غير أن تلك العبارة تصبح مقبولة حين تستسلم المجتمعات للفوضى، فلا تجد بديلا عن القبول بما يفرضه عليها القدر من حلول غامضة، من بينها بل وفي مقدمتها القتل.
في الحروب الأهلية لا يحتاج القاتل والقتيل إلى اسم. هويتاهما تكفيان.
لقد استسلم المجتمع الدولي حين تلقيه أخبار خان شيخون السورية لحالة من الغثيان أعادتنا إلى ما حدث سابقا في حلبجة العراقية. لو أن البشر قُتلوا بطريقة أخرى لما حدث ذلك الغثيان. لم تحدث صدمة المجتمع الدولي بسبب القتل بل بسبب طريقته. ولكن أيكفي أن يُصدم المرء لكي تكون الجريمة مؤكدة؟ في موتهم يبدو القتلى في مكان، والتفكير فيهم في مكان آخر. صارت وسيلة القتل أهم من فعل القتل وما يمكن أن ينتج عنه. لا أحد يفكر في الضحية. تقنيات القتل هي الأهم.
وكما يبدو فإن هناك تقنيات للقتل مقبولة وأخرى غير مقبولة. ولأن الموت ليس تقنيات فقد صار لزاما على المرء أن يستفهم عن دوافعه وأسبابه. وهي ليست واقعية تماما. صار من الممكن أن يموت المرء لأنه عابر سبيل شاهدا ليس إلا.
لم تعد المعلومات مهمة. ما نفع تلك المعلومات إذا كان القرار قد صدر؟ لا شيء. كان ذلك القرار جاهزا. لقد ساهمت الجماهير في موتها من غير أن تدري حين وافقت على أن يتصدر القتلة المشهد.
أتذكر اللبناني إيلي حبيقة (اغتيل عام 2002) وزيرا. الميليشياوي، زعيم القوات اللبنانية المتهم بتنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا. كان مرضيا عنه من قبل حزب الله المنادي بتحرير فلسطين. قاتل الفلسطينيين العزل كان حليفا للميليشيا التي تقدم نفسها عنوانا للمقاومة. لقد تم نسيان القتلى الذين ملأت جثثهم أزقة المخيمين حين حجبتهم أبخرة حزب الله، وهي تقدم قاتلهم برهانا على ديمقراطية وضيعة.
ما من شيء مؤكد في العالم العربي مثل ديمقراطية القتل. من في إمكانه أن ينكر أن العراق وبعد أن تم تدمير دولته إثر الغزو الأميركي صار واحة للديمقراطية؟
هناك يمكنك أن تقول ما تشاء. في المقابل فإن في إمكان خصمك الذي قد لا تعرفه وهو مسلح دائما أن يفعل ما يشاء. وإذا ما عرفنا أن القتلة صاروا يتقلدون في تلك البلاد المنكوبة مناصب كبيرة فإن ذلك يعني أن لغة القتل هي اللغة السائدة. رصاصة مقابل كلمة. لن يكون القتلة معنيين بإحصاء عدد الكلمات لذلك فهم لن يروا القتلى.
ما حدث في خان شيخون السورية وقبلها في حلبجة العراقية هو مناسبة لاستعراض التطور الذي طرأ على مزاج القتل. فالقاتل المجهول لن يكون أحدا بعينه. وهو ما يحرر الجميع من المسؤولية. ربما سيشار إلى القتلى باعتبارهم مسؤولين عما جرى لهم بسبب وجودهم في منطقة القتل الذي جرى تسويقه باعتباره مخالفة للقواعد المتبعة. ولا شيء آخر.
يمكن أن نتعلم درسا من ظهور إيلي حبيقة وزيرا غير مرة برعاية مباشرة من حزب الله. أهان ذلك الحزب القتلى الفلسطينيين بفعلته تلك. هذا صحيح. لكن الحزب نفسه يسلم الآن شبابه إلى القتل في سوريا حفاظا على المصالح الإيرانية. ألا تهين تلك الفعلة القتلى كونهم قُدموا فدى لكذبة طائفية لا تبني دولة ولا تخدم شعبا. في العالم كله هناك من يتاجر بقتلى العالم العربي. المفجع في الأمر أن التجار هم القتلة.
نقلا عن العرب