الكفن الأبيض الملتف على جسد إبني مصطفى كان يلتف حول روحي التي شعرتها جثة هامدة على حافة القبر الذي يتسع لدفن أحلامي وأمنياتي وعمري الذي مضى والآت منه وليس لصوفي فقط .
كتب مصطفى على الفيس بوك مخاطبا والدته التي ترقد منذ ٢٣ عاما في الثرى وكأنه يتنبأ بموته ورحيله إلى العالم الآخر وليكون إلى جوارها كما كان يتمنى دائما :
أود أن أفعلها للمرة الأخيرة ..
أمي العزيزة إخلعي روحي المتعبة كما كنت تفعلين بثيابي المتسخة ..
لم يمضي وقت طويل حتى كان مصطفى يلفظ أنفاسه الأخيرة بعيدا عني ولم يمهلني ولو ساعات قليلة لأراه وهو يتنفس للمرة الأخيرة قبل الرحيل حيث ٣٢ عاما من الرفقة تنتهي بلحظات ، وكأن مصطفى الذي كان صغيرا ويتشبث بثيابي وأنا أغادر إلى العمل صباحا لم يعد له من وجود ، وكأن هذا الوجود لم يتبق منه سوى جسد أحمله على سيارة مسرعة نحو الغرب حيث المقبرة وحيث ترقد الأم التي تمنى مصطفى أن يرقد جوارها إلى الأبد ولتخلع روحه المتعبة إلى الأبد .
كنت أطوي زمنا بعيدا وأنا أطوي جسد ولدي الوحيد ليسحبه المحبون ويلحدونه في حفرة لن يغادرها أبدا أو حين يأذن الرب الغفور ، ولم أكن سوى شخص ذاهل مشدوه مربك تائه غير مصدق أن ولدي الوحيد الشاب الذي كان يشاكسني ويقبلني ويشاركني الحزن يغادر مسرعا فلم أكن أتوقع أن يفعلها مصطفى ويذبحني من الوريد إلى الوريد ويتركني بلا حياة وبلا أمل وبلا رغبة في شيء فكل ما يمكن أن يغريني لم يعد كذلك لأن ما كنت أفعله وأفرح به كان مصطفى موجودا حينها ولم تعد من رغبة في شيء وقد غادر مصطفى وحيدا ليرقد بسلام أبدى جوار والدته التي تركتنا للهم والغم ورحلت قبل عقدين من الأسئ ولم أتزوج وفاءا لها .
وداعا ياحبيبي صوفي ، وداع من لن ينساك ولن تغادر صورتك خياله وضحكتك أسماعه وجمالك عينيه وقبلتك وجنته . آه يا مصطفى ماذا فعلت لقد ذبحتني يا بابا برحيلك . آه يا وليدي آه ياعيوني . آه يا عمري ويا روحي ويا آخر فرحة لم يكتب لي أن أعيشها . [email protected]