23 ديسمبر، 2024 2:04 ص

قدّرت إحصاءاتٌ غربية أعدادَ قتلى السنة الأولى من حرب فلاديمر بوتين في أوكرانيا بـ 300 ألف عسكري ومدني روسي وأوكراني، دون أن تشمل المشوهين والمعوقين والمفقودين والأسرى والمهجرين الأوكرانيين والروس ومواطني الدول الأخرى المجاورة.

طبعا، لا يمكن اعتبار هذه الأرقام دقيقة ونهائية، وذلك لأن ظروف المعارك لا تسمح لطرف ثالث محايد بالدخول إلى جميع ساحات المعارك ليوثق الخسائر في الأرواح والمعدات.

وفي الجانب الاقتصادي تقول دراسة ألمانية نشرها المعهد الاقتصادي الألماني إن البشرية خسرت في سنة واحدة من الحرب الروسية في أوكرانيا مبلغ ترليون وثلاث مئة مليار دولار، كما فقدت الاقتصادات الغربية، بشكل خاص، ثلثي إنتاجها العالمي، بالإضافة إلى مشاكل الطاقة والمواد الخام، يضاف إلى ذلك كله تزايد مستويات العجز في موازنات الدول الأوربية.  أما الخسائر الروسية في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والعمرانية والصناعية المدنية والعسكرية، في هذه الحرب، فليست معروفة.

والمتوقع أن تستمر هذه الحرب سنةً أخرى أو سنوات، إذ لا يبدو أن أياً من الطرفين قادر على الانتصار في المدى المنظور.

وكان عذر الرئيس الروسي لتبرير غزوه لأوكرانيا هو الواجب الوطني الذي يفرض عليه حماية أمن الدولة الروسية، واستباق التهديد المتوقع من دول حلف الناتو.

وبصراحة أكثر قال نائبُ رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيف، إن الهدف هو “دفع حدود التهديدات لبلادنا إلى أبعد ما يمكن، حتى لو كان ذلك إلى حدود بولندا.

وهكذا كانت الحروب، كلُها، تبدأ، وهكذا كانت تنتهي. فحين تكبر الجيوش وتتغول وتصبح لها الكلمة الفصل في حياة أهلها ويبدأ الخراب.

فلولا تضخم جيوش هتلر وموسوليني والخميني وصدام حسين وبوتين لما كانت الحروب. وأمامكم أمريكا. لو لم يكن لها كل هذه الجيوش المترامية أطرافُها في الأرض والبحر والسماء، أكانت تأمر وتطاع في العالم، اليوم؟.

ولا حاجة لنا بالتذكير بأن الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحروب فيتنام واليابان وكوريا والهند وباكستان، كان كل الذين أشعلوها يتذرعون بالرغبة في إبعاد العدو عن حدود أوطانهم.

والأمثلة الأقرب إلى ذاكرتنا، اليوم، هي حروب الخميني الذي جاء ورثته، بعد وفاته بسنين، ليكشفوا حقيقة أن السبب الحقيقي الذي حبب إليهم الغزو والاحتلال ليس لفلسطين به علاقة من أي نوع.

فقد أعلن، في وقت سابق، والد زوجة الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي، إمام الجمعة في مدينة مشهد، الملا علم الهدى، أن “إيران اليوم ليست محدودة بالحدود الجغرافية”.

وكثيرا ما تباهى المرشد الأعلى علي خامنئي بأن إيران “جزيرة آمنة وسط منطقة لا تعرف الأمان”.

ولم يختلف عنه قادة نظامه الكبار، وخاصة العسكريين المقربين الذين كانوا يتباهون، بمناسبة ودون مناسبة، بأنهم موجودون في الخارج، في العراق وسوريا واليمن وفلسطين، لكي لا يحاربوا أعداء النظام في داخل إيران ذاتها.

وبنفس اللغة المنتفخة النضّاحة بالتعالي والغطرسة تحدث قائدُ مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري، اللواء غلام علي رشيد، عن الحشد الشعبي وحزب الله اللبناني والمليشيات المقاتلة في سوريا والحوثيين والجهاد الإسلامي وحماس، فقال، إنها “القوة الرادعة أمام الاعتداءات على إيران“.

ولا توجد دراسة محايدة منصفة تحدد حجم الخسائر في الأرواح والأموال والسياسة والصحة والتعليم والتجارة الداخلية والخارجية التي تحملها الشعب الإيراني، منذ هبوط الخميني على أرض مطار طهران 1979، في إيران ذاتها، وفي العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وفي كل دولة أخرى وصلتها مفخخاته ومسيراته ومليشياته. لكن المتداول والمعروف أنها أكبر وأخطر من كل ما توقعه المتوقعون.

ثم إن الدفاع عن النفس وعن الوطن هو نفس العذر الذي برر به صدام حسين تمزيقه اتفاقية الجزائر 1975، ودفْعَه جيوشَه إلى داخل إيران لتحريرها، بقادسيته المعروفة، لحماية البوابة الشرقية للوطن العربي من أخطار الغزو الفارسي المرتقب.

ومعروف ماذا تحقق للعراقيين في حرب الثماني سنوات. فهي التي سهلت سقوط الوطن، وليس النظام وحده، بعد سنوات من العوز والفاقة والحصار الدولي، ثم مذلة خيمة صفوان، وانتهاءً بشنق البطل بين زغاريد أعدائه الحاقدين.

وبالعذر نفسه أقدم على غزو الكويت، بقوله (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، ثم تبين في النتجة أنه أخطأ في حساباته، وأدخل على وطنه أعداءه منتصرين. 

ولن تغيب عن بال التاريخ أشلاءُ دباباتنا العراقية ومصفحاتنا وطائراتنا المبعثرة على الرمال، وجثامين أبنائنا المحترقة في حرب تحرير الكويت 1991، فوق ما تهدم من جسورنا ومطاراتنا وموانئنا ومؤسساتنا الحيوية، وما تحمله الشعب العراقي من غرامات وتعويضات أنهكت اقتصاده المتعب المريض.

وهنا نسأل، ألا تصبح الجيوش عدوةً لشعوبها حين يتسلط على قيادتها حكامٌ مغامرون مصابون بغرور القوة حالمون بأمجاد لا تتحقق؟.

ثم نسأل أيضا. هل انتصر منهم أحد وحقق أحلامه الدفينة وحَمى لوطنه، بالحروب التي شنها، أمنه واستقراره وعيشه الرغيد؟.

تقول التقارير المهربة من روسيا إن حالة من التقنين الشديد في المواد الأساسية بدأت تُضيّق خناقها على الحياة اليومية في عموم المدن الروسية، وسوف تزيد.

ومن المكرر المعاد أن نُذكّر بأن المرشد الإيراني علي خامنئي يباهي، دائما، بأن نظامه العسكري الديني تمكن من تطوير صواريخه الباليستية والطائرات المسيرة، وينسى أنه وضع أكثر من ستين في المئة من الإيرانيين تحت مستوى الفقر، وجعل إيران الدولة الأولى في حالات الإعدام والاغتيال والاختطاف اليومية التي تشهدها مدن إيران كل يوم.

أما في العراق فليس أدل على نتائج حروب الراحل صدام حسين وانتصاره فيها من قيام دولة المليشيات الولائية التي تسلطت على الوطن وأهله، منذ الغزو الأمريكي 2003 وحتى اليوم، فأباحت القتل والاغتيال والاختلاس وتزوير الشهادات، والمفخخات، والسجون السرية، وتجارة السلاح والمخدرات، وجعلت الوطن العراقي مستعمرة تائهة ذليلة ملحقة بولاية الفقيه، حالمة بفرج يجيئُها من وراء الحدود، بعد عمر طويل.