ينظر البعض إلى أهمية التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد الصادر بموجب القانون 26 لسنة 2019 كونه أول ثمارالتظاهرات والاعتصامات التي بدأت في الأول من تشرين الأول الماضي ولا تزال مستمرة حتى اليوم ، وكان من المفترضأن يكون هذا القانون محققا لأعلى الانجازات من حيث تلبية المطالب وإعادة الحقوق و الإقرار بالاستحقاقات بما يرضيويلبي رغبات المتظاهرين والمتعاطفين معهم من عموم أبناء الشعب في اغلب المحافظات ، ولكن هذا القانون تمت مناقشتهعلى عجالة في مجلس النواب مما افقده العديد من المزايا مما جعله ( من وجهة نظر البعض ) عالة وخاليا مما كان ينتظرمنه من انجازات على الرغم من احتوائه على نصوص منصفة من شأنها رفع الحيف والظلم عن البعض ، وقد صدرتبخصوصه العديد من وجهات النظر غير المتفائلة ومن أبرزها :
1. انه (خذل ) أمنيات المتقاعدين الحاليين بزيادة الحد الأدنى للراتب التقاعدي لتكون بمستوى الوعود التي كان يطلقهاالبرلمانيون وغيرهم الذين كانوا يبشرون بجعلها 800 ألف دينار شهريا على الأقل ، فالتعديل أبقاها على حالها ( 400 ألف دينار ) مع إضافة 100 ألف دينار كمخصصات لتحسين المعيشة ليكون الحد الأدنى بمجمله 500 ألف دينار وبذلكيتساوى أصحاب الخدمة التي تبلغ 25 سنة او أكثر مع الذين خدماتهم 15 سنة وأصحاب الشهادات الأعلى مع الأدنى .
2. تم إصداره على حين غفلة وبدون سابق إنذار وبمهلة قصيرة بين التشريع والنفاذية حيث اجبر الموظفين الذين بلغتأعمارهم 60 او 61 او 62 او 63 سنة على الانفكاك بالتقاعد رغم إن لدى بعضهم حسابات والتزامات لان قانون التقاعد رقم9 لسنة 2014 قد حدد السن القانونية 63 سنة ، وهذه الحالة تصيب البعض بالحرج لأنها تجبر من يشغل وحدة سكنيةمملوكة للوزارة بتركها كما إن بعضهم لديهم سلف والتزامات سوف لا يستطيعون إيفائها بالراتب التقاعدي لأنه اقلبكثير من الراتب أثناء الخدمة لان الراتب التقاعدي تحذف منه المخصصات ولا يكون بنسبة 100% من الراتب الاسمي إلالمن تبلغ خدمته 40 سنة فأكثر ، والقانون الجديد حذف مقترح القانون المحال من مجلس الوزراء بإضافة نسبة 7,5% لمنيحال بعمر 60 سنة لتعويض سنوات الخدمة التي قطعها التعديل .
3. إن أكثر الوزارات تضررا من هذا القانون هي وزارة التعليم العالي حيث اوجب القانون إحالة موظفي الخدمة الجامعيةبلقب مدرس مساعد ومدرس إلى التقاعد بعمر 60 سنة وإحالة الأستاذ والأستاذ المساعد بعمر 63 سنة بعد ان إن عمرالإحالة للتقاعد 65 سنة أي بفارق 2- 5 سنوات ، ووجه الحرج في هذا النص هو إحالة أكثر من 5000 جامعي إلى التقاعدبدفعة واحدة وهم في وسط العام الدراسي وتجريد الأقسام من متطلبات فتحها واستمرارها من حيث تواجد عدد معينمن حملة ألقاب أستاذ وأستاذ مساعد ، فإحالتهم إلى التقاعد سيضر الجامعات لأنه سيؤدي إلى غلق العديد من الأقساموالفروع العلمية في الكليات والمعاهد الحكومية ، كما إن ذلك سيتسبب بإيقاف بعض الدراسات العليا لتقص او عدموجود المشرفين والتدريسيين والمناقشين بالمواصفات والدرجات العلمية المطلوبة ، وكان من الأجدر ( على الأقل ) جعلانفكاك الجامعيين في نهاية السنة الدراسية أي في 31/ 8 او تأجيل انفكاكهم إلى 1 / 10 / 2020 لإنهاء الالتزاماتالخاصة بامتحانات الدور الثاني وإبراء الذمة العلمية او ترك بعض الصلاحيات لمجالس الجامعات لمعالجة الاختناقات .
4. تعريض المؤسسات الصحية إلى حالة النقص في الملاكات الطبية والصحية الاختصاصية من خلال إحالتهم إلىالتقاعد دون إعطاء الفرصة لتهيئة البدائل من خلال المناورة والنقل وغيرها من الإجراءات مما سيعرض الواقع الصحيإلى أكثر سوءا مما هو عليه اليوم وانعكاس ذلك على المواطنين الفقراء .
5. استشراء حالة من الاستياء وعدم الارتياح من قبل الجمهور حول جدوى إصدار هذا القانون ، فإذا كان الغرض هوتشغيل العاطلين فان صدوره لم يتزامن مع تشريع قانون الموازنة الاتحادية مما يتعذر إشغال الدرجات الشاغرة لعدمالمصادقة على الملاك الوظيفي للوزارات وعدم وجود التخصيصات المالية للذين سيتم تعيينهم مهما تنوعت التصريحاتالمشكوك في مصداقيتها من قبل المصرحين ، اخذين بنظر الاعتبار إن ما تم إعلانه بخصوص الموضوع حيث قالوا إنالتعديل الجديد سيوفر 200 ألف درجة للعاطلين ، وهذا العدد غير مغري لان عدد العاطلين أكثر من مليون وهذا القانون لايسد حاجة 20% من العاطلين إن لم تذهب نصف الدرجات للأمن والدفاع ، وهناك تساؤلات حول مدى عدالة التصرفبالدرجات التي سيوفرها القانون الجديد الذي سيخرج العديد من الكفاءات ليحل محلهم من يتعين بالفساد اوالمحسوبية والمنسوبية والتحزب وغيرها من الاعتبارات التي لم تنفع غالبية الشعب ممن لا حول ولا قوة لهم ولا يمتلكونالمال للرشاوى والفساد .
وان ما ذكرناه سابقا ليس بخاف عن مجلس النواب، فقد وردت طلبات للمجلس تطالب بتشريع مشروع التعديل الثانيلقانون التقاعد الموحد وهذه الطلبات وردت بعد أيام من نشر التعديل الأول في جريدة الوقائع العراقية ، وفي جلسة مجلس النواب قال السيد رئيس مجلس النواب بان رؤوساء الجامعات طالبوه بتأجيل تطبيق القانون ، كما إن مجلسالوزراء طالب باستثناء السفراء من القانون وزيادة اعمار إحالتهم إلى التقاعد كما قدمت لجنة الصحة والبيئة فيالمجلس بتأجيل إحالة بعض الأطباء في بعض الفروع والاختصاصات إلى التقاعد نظرا للنقص الذي سيحصل في ملاك المؤسسات الصحية ، ولغرض تدارك الأخطاء التي وردت في القانون فقد طلب رئيس اللجنة المالية بالتعجيل فيالتصويت على القراءة الأولى لمشروع التعديل الثاني لقانون التقاعد والتعجيل بالقراءة الثانية وتمنى أن يتم الانتهاءمن تشريع القانون قبل 31/ 12 / 2019 أي قبل نفاذ التعديل الأول للحيلولة دون إحالة المشمولين إلى التقاعد وإعادتهمللخدمة ثانية وقد أيد النائب الأول للمجلس إبقاء جلسة القراءة الثانية مفتوحة لتوفير متطلبات المصادقة على التعديلالثاني ، ولكن يبدو إن الأمنيات ذهبت إدراج الرياح فحتى كتابة هذه السطور ( في 30 / 12 / 2019 ) تعذر عقد جلسةمجلس النواب لعدم اكتمال النصاب وتحولها إلى جلسة تداولية بخصوص الأحداث الأمنية الأخيرة ، مما يعني عدمجدوى إجراء التعديل بالصياغة المعروضة حاليا التي تهدف لتوسيع الاستثناءات لأن القانون يفترض أن ينفذ ابتداءا مناليوم ( أي في 31 / 12 / 2019 ) ويتوجب إحالة أكثر من 200 ألف إلى التقاعد من مختلف الفئات وجوبا او بالاختيار ،وتقول ( مصادر لم يتم التأكد منها بعد ) إن مجلس الوزراء يحاول تعطيل تنفيذ القانون لمدة 3 أشهر لإعطاء الفرصةلتعديل القانون ، ولكن ذلك يشكل مخالفة قانونية لعدم وجود نص في القانون يسمح بالتأجيل ولكون القانون 26 لسنة2019 وهو قانون التعديل الأول لقانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014 له العلوية ولا يجوز المس به من حيث المحتوىومواعيد التطبيق إلا بقانون ، وفي المجمل فان التعديل الذي كان ينتظر منه خيرا للجميع قد اصطدم بالعديد من العقبات وربما ستشكل عبئا على بعض الأفراد والمؤسسات ، ولكنه رغم ذلك فانه بات واجب التنفيذ والتطبيق دون خرق للدستور بموعده المحدد مهما بلغت درجات الحيرة والحرج في التطبيق .