18 ديسمبر، 2024 6:47 م

حيدر يخاطب اباه الذي ابتعد عنه وسط البحر في رحلة الموت ..

حيدر يخاطب اباه الذي ابتعد عنه وسط البحر في رحلة الموت ..

لماذا لم تحزم نجادتي جيداً لتتركني وسط هذا الموج المتلاطم ؟!
زينب تمسك باطراف اصابعها جزء من خشبه تكسرت من قارب الشؤم الذي كان يقلهم الى المجهول .. لا تكاد تتمتم ببعض الكلمات طالبة النجاة من اخيها الذي يلفظ انفاسه الاخيرة وهو يغرق …
 
والد حيدر يقذفه موج البحر بالصدفة الى هوامش الجرف .. يداه تلتهما الرمال بحرقة … باله مشتت وعيناه محدقتان الى خفايا بحر الموت الذي فتح فاهه جوعاً .. استجمع قواه .. وصااااح .. حيدرررر .. زينب … حيدرررر.
 
سيناريو اقل ما يقال عنه انه حدث في ذاك اليوم الاسود الذي غرقت فيه المركبة التي تقل الطفل المشهور “ايلان ” في رحلة من رحلات الهجرة الى اوربا ..
 
تعتبر قصة الطفل السوري إيلان واحدة من أكثر قصص المهاجرين الى أوربا مأساة، لكن ما لايعرفه العالم هو أن القصة الحزينة لها وجه آخر يتمثل بغرق طفلين عراقيين في ذات المركب الذي ضم عائلتين سورية وعراقية حاولتا الفرار من جحيم الحرب والوصول إلى بلد آمن في أوروبا، وثمة حقائق ‘صادمة’ تكشفت اليوم ولم تعرف من قبل.
 
تحدثت الام العراقية زينب عباس بكلمات حزينة عن غرق طفليها وهما ولد وبنت مع الطفل ايلان متساءلة ‘أين الحكومة العراقية التي بعثت تعزية لذوي الطفل السوري بينما نحن نسينا ولم يواسينا أحد’.. وقالت ‘أنها وزوجها وأطفالها الثلاثة كانوا في القارب الذي انقلب مع عائلة الطفل السوري إيلان، وفقدت اثنين من أطفالها بينما نجا أحدهم، لكنهم أهملوا ولم يحظوا باهتمام العالم، بالرغم من أنهم هم الضحايا الرئيسيين للمأساة’، بينما تتهم والد الضحية السوري بـ’الضلوع’ في المأساة.
 
 
وعند بوابات مطار بغداد الدولي، كان الأب أحمد هادي ذو 51 عاماً، منهاراً ولا يقوى على الكلام، وزوجته زينب في حالة هستيرية، وهما ضمن جمع عائلي يستقبل جثماني ولديهما الطفلة ‘زينب’ ذات  11 ربيعاً، وشقيقها حيدر ذو التسعة أعوام، اللذان قضيا الى جانب الطفل إيلان وشقيقه وأمه في ذات الرحلة المشؤومة.
 
 
  وتبكي وتحتضن صور طفليها الراحلين، تقول الأم الثكلى بغضب، إن ‘الحكومة العراقية مسؤولة عن موت أولادي، لأننا خرجنا بسبب الحكومة’، مبينة أن ‘عائلتها فضلت الهجرة خوفاً من التفجيرات، وعدم وجود حقوق لنا في العراق، وبالتالي ذهب لي طفلين بالبحر، ولم يقف معنا أحد’.  وتلفت الأم الثكلى بالقول، ‘لم نرد شيئا، أردنا فقط تسلم الجثتين، ولم يساعدنا أحد’.
 
أحمد هادي وزوجته زينب وطفلته الناجية، عادوا الى العراق بعد أن واجها مصيبة مصرع طفلين لهما وأخفقا في محاولته الفرار الى بلد أوربي بحثا عن مستقبل أفضل للعائلة.
 
مغامرة قاتلة 
 
تقول زينب، وهي تروي يوم الرحيل ‘الأسود’ عن الواقعة :’بعد مكوثنا في كافتيريا في إحدى المناطق التركية القريبة من البحر، جاء المهرب في نحو الساعة العاشرة مساء، وذهبنا بصحبته في سيارة خصوصي، وبصحبتهم شاب عراقي أراد الهجرة أيضاً يدعى أمير وهو ابن صديق زوجي’، مبينة أن ‘السائق كان يقود بجنون في طريق جبلي وعر، ويقول (هش هش) لإسكاتهم، بينما كانت معهم سيارة أخرى تقل عائلة ثانية’.
 
وتوضح زينب، ‘أنهم وصلوا والى مكان قرب البحر، وبشكل عاجل صعدوا الى القارب’، مبينة ‘أنها أمسكت بأولادها بعد جلوسهم على أرضية المركب، في حين لم تتمكن من إحكام سترات النجاة التي ارتدوها نتيجة السرعة الشديدة للقارب’.

 وتكشف زينب، عن حقائق أخرى تتعلق بالمأساة، تروى لأول مرة، مفادها أن والد السوري إيلان المعروف بـ’أبو غالب’، هو من كان يقود القارب، بعد دفعهم عشرة آلاف دولار للمهرب، وكان ينوي الهجرة معهم، مبينة أن ‘السوري أبو إيلان طلب جلب ابنه قربه بعد مضي نحو خمس دقائق على تحرك القارب، وعندها حصل اهتزاز في القارب وتوقف محركه عن العمل، ثم أعاد تشغيله’.
 
وتلفت زينب، الى أن ‘زوجها شعر بالخطر وأبلغ أبو غالب السوري، بضرورة تخفيف سرعة القارب، لأن الماء بدأ حينها التسرب الى الأرضية، لكنه لم يأبه للتحذير ودخل بأمواج عالية، حينها أنقلب القارب’.
 
وتبين زينب، ‘أولادي كانوا يرتدون سترات نجاة وطفوا على سطح المياه، لكن القارب انقلب عليهم وتسبب بغرقهم في النهاية’، مبينة أن ‘زوجها سحبها بعد أن أغمي عليها مع طفلتهما الثالثة خارج القارب، وتمكنوا من الوصول الى الساحل’.
 
وتابعت، ‘عندما صحوت وجدت أمير وسألته، هل رأيت زينب وحيدر، فأجاب كلا لم أراهما’، مبينة أن ‘توجه لخفر السواحل من اجل إبلاغهم بالحادث، وفي هذه الأثناء جاء أبو غالب السوري، وسألها، هل فقدت أحدا، فأجابته نعم اثنين’.
 
وتلفت زينب الى أن ‘أبو غالب أبلغها بأنه فقد أولاده أيضا، لكنه ترجاها بأرواح أولادها أن لا تشتكي عليه، من أجل أن لايسجن’، مبينة أن ‘والد الضحية إيلان ‘هو المسؤول عن المأساة، ولم يكن همه سوى حياته، بينما حظي باهتمام العالم والإعلام وسلموه جثث طفليه وزوجته ودفنهم، في حين زوجي يعاني منذ أكثر من أسبوع من اجل تسلم جثث طفليه’.
 
والد إيلان هو المسؤول
 
ويقول خال الطفلين العراقيين ويدعى، أبو فاطمة، ‘أريد من الحكومة العراقية أن يصل صوتها، ويعلو على الصوت العربي والعالمي الذي يواسي الطفل السوري ولم يواسي الطفل العراقي’، مشدداً بالقول أريد أن ‘يصل صوتنا، ولكن الحكومة لم يصل صوتها’.
 
ويضيف أبو فاطمة، ‘لدينا سفارة في تركيا، لكنها لم تقدم أي مساعدة لأختي في محنتها’، مبينا أن ‘الشاب أمير موقوف في تركيا بعد أن اتهمه السوري بأنه هو المهرب وهو الذي يقود المركب، وهذا كذب’.
 
ويوضح أبو فاطمة، أن ‘أمير، مريض بالسكري، وعلى السفارة العراقية متابعة قضيته والمسؤولين’، مؤكدا أن ‘سبب الحادث هم المهربون السوريون، والذي كان يقود المركب هو أبو إيلان السوري’.
 
وتساءل أبو فاطمة بحرقة، ‘ما هذه الهالة الإعلامية التي أحاطت بالضحية السوري فقط، وتجاهلت العراقيين، وهي قضية إنسانية، ما هو السبب أوجه السؤال للسياسيين العراقيين’.
 
وأثار انتشار صورة الطفل الكردي الغريق المهاجر مع أسرته في بحر بين اليونان وتركيا ردود فعل قوية على الصعيد العالمي والمحلي وسط مطالبات بوضع حد لمعاناة المهاجرين إلى أوربا.