من مفارقات الزمن العراقي ان كل من هب ودب أصبح منظرا للشأن السياسي، وان كل من لم يثنِ له قدماً عند رجل علم أو مدرسة معتبرة أصبح مفتياً، فسمة هذا الزمان، التنطع والحديث بغير علم، والفتاوى بغير هدى، ولذا أصبحنا من سيء إلى اسوء، ولم نعد نقوى على مواجهة الانحدار المتناغم مع ضياع الأسس وتهديم منظومة المعايير التي تميز بين الأصيل والدعي، الزائف والحقيقي، الواعي . والاشر .فكل من تهيأت له فرصة الظهور في وسيلة إعلامية ما، ومهما كانت بائسة، أصبح يفتي الناس بالسياسة، ويتحول الى كيسنجر اخر، ينظر ويحلل ويقارب ويقارن وهو لا يعرف كوعه من بوعه!. هذا بالضبط ما يمكن أن نصف به حديث حيدر الملا، الذي يقول عنه من عرفوه انه مجرد مفوض أمن سابق، ينحدر من البصرة، ومن أصول شيعية إخبارية، وقد ساقه حظه أو حظ العراق العاثر ليكون على موعد للدخول في جبهة صالح المطلك ذي الجذور البعثية الذي دخل العملية السياسية من بوابة تمثيل أجندة النظام السابق وترجمة مطالبه وطموحاته في النظام الجديد؛ فكان أن أختار هذا الشاب الذي تنكر لطائفته على الأقل سياسيا وانتمى للسنية السياسية منافحا عنها ومدافعا عن محتواها، وبالتالي عرفه الشارع العراقي بأنه أحد الذين يبنون مجدهم على التناقضات القائمة، فخطابه كان أشد طائفية ممن يمثلهم، وارائه أشد غرابةً ممن وضع نفسه في خدمته؛ وقيل قديما ما تعصب إلا دعي. وبقي الرجل يحاول ويحاول أن يصل إلى مبتغاه، فكان أن تحقق له المراد ودخل مجلس النواب عبر بوابة القائمة العراقية بزعامة علاوي ممثلا عن جبهة المطلك، ولكن بعد عدة أعوام ترك المطلك باتجاه الكربولي جمال، ومن هناك يبدأ رحلة أخرى، وقد اتقن لعبة التناقضات والتحول إلى عراب صفقات مالية واقتصادية وسياسية، وحتى مع إفلاسه السياسي وعدم فوزه في اي منصب؛ إلا أنه بقي ولا يزال يمثل الخطاب الأكثر غرائبيةً والأكثر سخرية؛ كلما أراد أن يعود لدائرة الضوء مجددا، وهو الذي غادرها مرغما بعد ان سأم الشارع خطابه ولعبه المفضوح على أوتار يريد الشارع ان يقطعها للأبد.