مَضّت 200 مئتا يوماً على نجاح التحالف الوطني الشيعي بتشكيل حكومته الرابعة بعد الإحتلال,بإختيار الدكتور حيدر العبادي رئيساً للحكومة خلفاً لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي,الذي تمسك بالمنصب ,لولا أن تداركته المرجعية الدينية في النجف, ونظام إيران الذي رأى في بقائه مساً بمصالحها في المستقبل القريب والبعيد , وسط رفض داخلي وإقليمي ودولي لبقائه في كرسي رئاسة الوزراء.
وعلى الرغم من أن تلك الفترة قصيرة في حياة الشعوب كونها لاتعني شيئاً بالقياس إلى الزمن في حياة شعوب كبيرة وحيّة كالشعب العراقي, ولايمثل أمراًمهماً بالنسبة لقيادة دولة فاشلة مثل العراق, قادها إلى هذا الفشل, الآلية التي عمل بها الإحتلال الإنكلو –أمريكي الذي أستمر ل7 سنوات في العراق ,بالإضافة إلى سياسة القيادات الطائفية والشوفينية التي توالت على حكمه ,منذ حكومة إبراهيم الجعفري 2005, ونوري المالكي 2006-2014, وصولاً إلى من نعّول عليه اليوم السيد حيدر العبادي..إلا أننا نريد أن نصّل من خلال هذه المقدمة إلى سؤال لابد من طرحه في هذه السطور..وملخصه هل أن العراقيين قد نجحوا بالتغيير فعلاً بإسقاط المالكي, وإحلال العبادي بدلاًعنه؟ أم أن التغيير ,الذي حصل هو تغيير في الوجوه فقط؟
والحقيقة التي يجب ن تقال أن شخصية السيد العبادي تختلف كثيراً عن شخصية نوري المالكي,فالرجل تحّصل على تعليم عالي في أرقى الجامعات البريطانية, وله القابلية على التعامل مع الأضداد وميال لحل المشاكل, ولكن هذا لايعفيه من مسئولية تأريخية تحسب له وعليه .. تتجسد هذه المسئولية في أنه قَبّل مختاراً أو مجبراً, قيادة دولة تعج بملايين المشاكل السياسية والاقتصادية والإجتماعية, وفيها من الصراعات التي أن وزعت على كل البشر في العالم لفاضّت عن حاجة عددهم لكميتها التي يصعب إحصائها.وقٌبّل برئاسة حكومة متعددة الأقطاب والرؤوس وفيها من المتعاكسات مالم يوجد في حكومة أخرى في العالم..
المهم أن العبادي, جاء ببرنامج سياسي أتفق فيه مع شركائه من شيعة وسنة وأكراد في تقاسم الحكومة, يشير البرنامج من بين مايشير اليه إلى تحقيق العدالة الإجتماعية, وإقرار قوانين تقضي على
التميز وتحقيق التوازن المجتمعي, وتنهي الفساد, وتحافظ على وحدة العراق, وتأتي بكفاءات لقيادة وزارات وأجهزة الدولة..
لانريد أن نفصل الموضوع فالمقال لايكفي لإستعراض البرنامج ونقاط الخلل وحجم الإنجاز فيه, ولكن سنمّرعليه سريعاً , من باب التذكير فقط , ومن أجل الإجابة على تسائلنا أعلاه!
حصل تقاسم للوزارات بين المكونات الاجتماعية العراقية, ولم نأتي بوزراء أكفاء, أو تكنوقراط ,ولنأخذ أمثلة عن تلك الكفاءات الوزارية, أحمد عبدالله الجبوري, وزير الدولة لشئون البرلمان , ووزير شئون المحافظات, لم يكمل دراسته الإعدادية, ومعروف أنه سارق وعليه تهم جنائية..وزير الخارجية إبراهيم الجعفري, طبيب مسحوب اليد عن العمل , كان يعمل حملدار..عبد الحسين عبطان,وزير الشباب, قيادي في منظمة بدر قبل أن ينتقل للمجلس الأعلى, لايحمل أي مؤهل علمي,هذا أولاً.
ثانياً: لماذا يتمسك العبادي بمدحت المحمود رئيساً للقضاء العراقي, والكل يعرف أنه رجل مال إلى السياسة وفّض إستقلالية السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية, وغدا تابع لنوري المالكي ولنوايا وتوجهات حزب الدعوة.
ثالثاً: حتى وزراء الداخلية والدفاع بلا سلطة, ومن يقول أنهم يقودون وزاراتهم ,فهو مخطيء, فوزير الدفاع خالد العبيدي لايملك سلطة تحريك جندي, القيادة العسكرية كلها تحت سلطة قاسم سليماني وهادي العامري, وأبو مهدي المهندس وقادة الميليشيات.
رابعاً: اللآف من ملفات الفساد المالي والإداري والأخلاقي تئن على الرفوّف دون أن يزيح أحد عنها التراب، لاإدانة لأحد, بل كل المدانيين وليس المتهمين , هم من يقودون البلد والوزارات ويتحكمون بشكل الوضع السياسي والاقتصادي, خذوا لجان سقوط الموصل وسبايكر وبروانة, وصفقات الإسلحة المتهالكة, وحرق البيوت والدور في مناطق يدعي الحشد الشعبي, أنه حررها من ظلم الدواعش لكي تقع تحت -ظلم ذوي القربى – أن صح إستخدام هذا المصطلح بالنسبة لمن يقاتل في الحشد الشعبي. لم تعلن عن نتائج تحقيقها لأنها تمس شخص المالكي وشيعته (المقصود أتباعه).
خامساً: قوانين الحرس الوطني والمسائلة والعدالة وقانون الأحزاب لن ترى النور طالما أن هناك دولة عميقة- موازية – تقود الوضع العراقي الشائك نحو مزيد من التدهور والإنحطاط بحجة حماية المذهب.
سادساً: كل التعينات الخاطئة التي سنّها نوري المالكي في أخر أيام عهده, لم تُبدل,بل وضعت لها قوانين تؤكد أحقية أصحابها في البقاء في مناصبهم, تصوروا أن البوق المالكي علي شلاه-الأديب المشّوه- يترأس هيئة الإعلام العراقي- يالبؤس العراق ومصيبته.
سابعاً: لاأمل في الاقتصاد –فالإسراف مستمر والميزانية خالية والأموال مسروقة, ومايأتينا من النفط يذهب لجيوب الحوارييّن من أنصار الحكومة السابقة ,هؤلاء الحواريّين , حولوا بوصلتهم ومدحهم نحو العبادي بمجرد سقوط صنم المالكي.. ويقال أن الحكومة لن تكون قادرة على دفع رواتب موظفيها في غضون شهريين..
عن أي تغيير نتحدث, أنه تغيير إعلامي وصوريّ, لايتناسق مع معنى التغير ولامع مايجري على الأرض, التغيير يعني إقتلاع الماضي بمافيه من فساد وترهل ومظلومية وإحقاق الحق لإهله, وتسيّد المناصب لمّن يستحق, لالمن يدفع أكثر..التغيير يعني, أن يستشعر العراقي معنى أن يذهب أولاده للمدارس والوظائف دون تمييز عرقي أو طائفي,التغيير يهتم بتحقيق العدالة الإجتماعية لافرق بين أسود وأبيض, ولابين أعجمي وعربي, إلا بالعلم والعمل, التغيير يقصد إيصال الحقوق لأبناء العراق دون النظر إلى مذهبهم أو مشربهم..التغيير هو أن تجد الجيش العراقي والشرطة هي من تمسك المدن والشوارع وليس داعش وميليشيا الحشد الشعبي, وسليماني. التغيير هي أن لانسمح لإيران وتركيا والسعودية والصومال أن تقرر ماتريد في بلد الرافدين.
كل المؤشرات تؤكد أن مّن يقود الحكومة العراقية اليوم هو نوري المالكي, وطاقمه , وأن ماحصل هو مجرد تعميّة وتمويه على الناس المتعبة في الكّد للحصول على قوت يومها..وإلا بماذا نبرر هذا التماهي والميوعة في التعامل مع جرائم أَودت بأولادنا إلى المحارق والقتل تحت حجة حماية مايعجب الحاكم أن يسميه, وأَذهبت بخزائننا إلى مجهول يقبع في طهران وبيروت ولندن وجنيف, ورسمت لنا مستقبل أسود لايحمل لنا وللأجيال القادمة سوى صورة الدم الأحمر القاني الشريف الذي يّراق كل يوم تحت عنوان حماية المذهب والمراقد وحياة الناس, ومن وراء كل ذلك هو حماية المتخفينّن في المنطقة الخضراء.
ماقاله الشيخ إبن تيمية رحمه الله قبل ثمانية قرون- في وصف الحكام والدول- هو ماينطبق تماماً على حكام العراق اليوم – الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة.