في ضوء احداث الاجتياح الروسي لاوكرانيا وما نتج عنه يوميا من مواقف مساندة ومعارضة لدول الشرق والغرب، يقف السياسيون العراقيين موقف المحايد من تلك الأحداث ببلادة قل نظيرها في عالم السياسة، متحججين بسياسة عدم اتباع القطب الواحد، واللجوء الى الإبتعاد عن الخوض في معمعة المحاور. الغريب في الأمر أن العديد من الدول التي وقعت اتفاقيات سلام على أثر هزيمتها في الحروب العالمية الماضية، بدأت مواقفها السياسية تتبلور مباشرة بعد بدأ العمليات العسكرية بين مؤيدة أو رافضة لهذا الاجتياح، كاليابان وألمانيا وحتى السويد التي سمحت لهتلر بالعبور على أراضيها لاحتلال جاراتها من الدول التي ترتبط معها بالثقافة واللغة والتأريخ المشترك.
وقف ساسة العراق اليوم موقف المحايد من تلك الحرب التي شنتها روسيا مجبرة على اوكرانيا أثر الاعتداءات المتكررة والاستفزازية لقوات اوكرانيا العسكرية وجماعات النازية الجدد الاوكرانية ضد المدنيين من جيرانهم في مناطق متاخمة للحدود الروسية، وهذا الموقف أقل ما يوصف بأنه موقف مخزي وجبان، إذ أن الشجاعة في قول الرأي الحق هو في نصرة الحق والوقوف ضد الباطل، لاسيما وأن من تدعمه أمريكا والكيان الصهيوني المحتل، لابد أن يكون على باطل لا محالة. ليس هذا فحسب، بل أن موقف عدم الانحياز في عالم لم يعد فيه عدم الانحياز مقبولا، غير مناسبا،لاسيما وأن لروسيا الاتحادية مواقف مشرفة و داعمة للعراق وبعض الدول العربية، تقتضي مصلحة العراق قبل حساب مسألة العرفان بالجميل، أقل ما يمكن فعله هو أن لا يكون هذا الموقف السلبي لساسة العراق، من عدم دعم روسيا ضد النظام النازي الذي تمثله قوى الشر في أوكرانيا. كانت مواقف روسيا الاتحادية متمثلة بالرئيس فلاديمير بوتن في دعم العراق وفتح مخازن اسلحتها للعراق في حربه ضد قوى الارهاب الدولي والذي قادته اميركا الشر في ظل خذلان اميركا للعراق وعدم موافقتها بتسليح الجيش العراقي بالاسلحة الضرورية لحماية مدنه وليس حدوده، مواقف مشرفة وقد شاد بها كبار الساسة في العراق وهذا ما أظهرته تصريحات السيد نوري المالكي الذي كان وقتها رئيسا للوزراء. الجدير بالذكر أن لروسيا مواقف لاتنسى في نصرة سوريا وعدم ضياعها كدولة اراد لها العرب واليهود مجتمعين على ابادة شعبها ومحوها من الوجود، مما دعى الرئيس السوري بشار الاسد الى الاعلان عن دعمه لموقف روسيا في حربها ضد اوكرانيا وعدم اللجوء الى تبني ذات الموقف المرتبك والمخجل للساسة في العراق . أن العالم يعلم جيدا بأن الاحرار دائما ما يكون لهم موقف واضح وصريح من أي قضية، وأن العبيد من العملاء والمأجورين لايملكون قرار انفسهم لكي يعبروا عن مواقفهم، فلا غرابة من أن نجد بعض الساسة اليوم في عالم خلى فيه الركون الى عدم الانحياز، ليس لهم مواقف اصيلة تعبر عن ارادة شعبهم أو أقل ما يقال انها حرة. المواقف دائما ما تعبر عن اصحابها، وبالقول الجازم ندرك تماما ان المواقف السلبية لساسة العراق في الحرب بين روسيا واوكرانيا لم تحسب حساب مصلحة العراق او شعبه لا محاله، خصوصا ونحن نعلم بأن للعراق علاقات متينة وقوية وقديمة مبنية على اساس المصالح المشتركة مع روسيا الاتحادية، وأن لروسيا مواقف يجب احترامها لانها تخدم العراق وشعبه، وعلى هذا الاساس يجب أن يكون للعراق موقفا مشرفا ازاء مايحصل من احداث ، فالعراق ايضا بلد عريق وصاحب تأريخ يمتد إلى قرون من الاسهامات والتأثير في الحضارة الانسانية والعلاقات الدولية. يجب أن يكون موقف العراق بحجم وعمق العراق الاستراتيجي في خارطة العالم، فهو ليس دولة ناشئة أو فقيرة أو تابعة .