23 ديسمبر، 2024 12:37 ص

حدق مرات كثيرة بالنجوم، انها آخر ليلة لي، هكذا اراني مشتاقا الى النجوم والقمر، جسدي مليء بالانكسارات، لكنني اكره الاطباء، لقد جعلوا منه حقلا لتجارب الادوية الفاسدة، لم اعد احصي آلامي مع هذه المهنة المتعبة، انا اعلم ان الاطفال ابرياء، لكن اعدادهم الكبيرة تجعل منهم ابالسة، انا لا احمل عصا، وفي بعض الاحيان اترك لهم فسحة من الحرية، لكنني افاجأ بالبعض منهم يكاد يكون بلا عائلة، ان تربيتهم وسخة جدا، يصدرون من عوائل سياحية كما يقول استاذ اسماعيل، آخر ايام بدأ يذهب وينسى في اي شعبة حصته، فيتخطى بضعة خطوات امام الشعب الاربع التي يقوم بتدريسها، فينادي عليه احدهم: استاذ عدنه رياضيات، فيرد : اسكت لك ، ليش آني ما ادري!، ربما غدا ساموت، لكنني قريب من المدرسة، لاحاذر حين اعبر الطريق، نعم ساكون حذرا، اصحاب السيارات في وقتنا الحالي اغبياء، والقانون صار شيئا ثانويا.

بالامس اوقعوا معلمة في المدرسة، وكسرت يدها، ازدحموا في الباب ثم دخلوا كالسيل، طلاب صغار ، لكنهم تحولوا الى كتلة بشرية، انا على ابواب التقاعد وعليّ ان ابتعد عن الاحتكاك بهم، فربما اوقعوني انا الآخر، مالهذه النجوم لاتتحرك من مكانها، القمر غادر، لم يبق من الليل الا شيء قليل، سانزل الى المطبخ ، ساضع ابريق الشاي، وابدأ مع علبة سكائري المنتظرة، تناول قدح الشاي وراح يعبه بشوق وشغف كبيرين، وتلألأت اولى السكائر بين شفتيه، لا استطيع ان ادخن قبل تناول الفطور، يقولون ان السيكارة الواحدة قبل الفطور تعادل علبة كاملة تدخنها مابعد الفطور، غسل وجهه، وعاد الى الشرفة يتأمل انفاس الليل الاخيرة، ويستقبل انفاس الفجر الاولى، انها لحظات من نور ، تلك التي يبدأ فيها الظلام بالانحسار ليحل محله الفجر، لم تكن المهنة هكذا في ايام زمان، كنا نذهب ولانخشى شيئا، كان القانون يوفر لنا الحماية، اما الآن فنحن نخاف من الطلاب الصغار.

نعم نخافهم كثيرا، فهم امتلكوا بعد 2003 عقلية استفزازية، يعني الطالب صار قويا، بوزارته وبمشرفيه، وبعائلته وعشيرته ايضا، هم يستقبلون من يرفع شكوى على المعلم استقبال الفاتحين، اول وزارة في العالم تعادي موظفيها هي وزارة التربية، لم انس الصفعة التي دوت على وجهي وانا طفل، صفعني المعلم، وكنت في بداية حياتي الدراسية، فكانت صفعة من نور، قومت اخلاقي وهي تذكرني دائما ان اكون مؤدبا، لم اصفع بعدها ابدا، ولم انس كذلك ماحدث في الشهر الماضي، الطالب الذي حاكم مدير المدرسة في الادارة، كان الطالب جالسا وولي الامر ايضا يمسك باوراق

الشكوى والمدير بين ايديهما يتضرع وهو لم يخطىء، طالب مشاكس ادعى ان المدير ضربه وشتمه، وجاء بالشهود الذين اقسموا ان مايقوله الطالب كذب وافتراء، لا اريد ان اتعرض لموقف كهذا، ولكن سجاد هذا الطالب يزعجني كثيرا، ماذا افعل معه لا ادري، الفصل ممنوع، والعقاب ممنوع، والطرد من الصف ممنوع، ووقفة القصاص ممنوع، ماذا افعل لا ادري، ساحاول ان اتجنبه، فهو من عشيرة قوية، وعائلته شريرة، تتستر بالدين.

يا الهي لو كان عمري اكبر بسنتين لكنت متقاعدا الان، سرقه الفجر وهو بين افكاره يجول وكأنه قد اضاع رشده، هبط السلم وارتدى ثيابه، ساجد مثنى عامل الخدمة قد اعد الشاي ، لاذهب واشتري صمونة، وعلبة قيمر، واتناول فطوري في المدرسة، نعم ، نعم، هناك افضل، مرت الساعة الاولى سريعة وقرع الجرس، الدرس الاول، ردد مع نفسه ياستار يارب، وحمل حقيبته وانطلق، انه في شعبة (ج)، كم اكره هذه الشعبة، بدأ درسه واذا بالفوضى تبدأ، التفت اليهم ونصحهم، هدأوا، ثم عادت الفوضى من جديد،( بابه انا بعمر اجدادكم، لايجدر بكم ان تكونوا هكذا، الا تحترموا اباءكم في البيت)، عادوا الى الهدوء وعاد هو الى الدرس، لحظات حتى دوت صفعة قوية على وجه حسين، الطالب المجتهد في الشعبة، الجميع صرخوا : سجاد ضربه استاذ.

توجه الى سجاد فانكر بازدراء، نادى مراقب الصف: ابني خذه الى المدير، امتنع سجاد عن الامتثال للامر، لن اخرج من الصف، انتهى الامر بين اخذ ورد، فلتت اعصاب المعلم، فصفعه، هرب سجاد من الصف، اعتلى سياج المدرسة، جاء مع اعمامه وابناء عمه، وعبروا السياج، اقتادوا المعلم الى غرفة المدير وعقدت المحكمة، فكان القرار، ان يصفع سجاد المعلم كما صفعه، واوقف المعلم وصفعه سجاد فسقط المعلم ميتا.