أن ولادة النبي الأكرم والرسول الأعظم ص تعتبر نقطة تحول في العالم بأسره، ليس فقط في الجوانب الطبيعية والعلامات التاريخية, التي رافقت الولادة، إنما حتى فيما تلاها من تحولات اجتماعية والتي برزت الدور السياسي والعسكري والاجتماعي لشخصية النبي المصطفى ص.
جاءت ولادته بأعظم رسالة عرفتها البشرية، واكبر مهمة، ألا وأن يكون بني محمد خاتم للأنبياء والمرسلين، وهذه (الخاتمية) ليس بالأمر السهل، أنما حملت دستور كاملاً وشاملاً للأمم، جاءت بالإسلام ديناً حنيفاً يحمل بين طياته إحكام وثوابت بناء الدولة، ومبادئ وقيم للشعوب كافة، فالإسلام منهاجاً، والقران دستوراً، ومحمد رسولاً، ومكة منطلقاً.
ورغم معرفة الجميع أن رسالة السماء هي امتداد لرسالات ونبوءات الإسلاف، وذكرت في الكتب المعتبرة ألا أن أعداء الدولة وأهل الباطل وقفوا بوجه أقامة أسس بناءها، واخذوا يحرضون الناس بالتصدي لعدم لانتشار الدين الجديد، وأنفقوا الأموال وضربوا طبول الحرب دون اتساع تلك الرسالة، ألا أن الحق دائماً منتصر، والباطل مندحر.
فلم يكن السيف السلاح الوحيد الذي انتصر فيه الإسلام، فأن منهج الحق ومساره المستقيم الذي سارت عليه المنظومة الأخلاقية والتربوية للدين الإسلامي جعلت الدين الجديد يعم البلاد ويصل لأقصى البقاع, فالفكر الجديد والعقيدة الناصحة التي نشرها المصطفى, انتصرت على لغة التنكيل والتظليل التي مورست ضد الرسول الأعظم وأهل بيته ع.
فرغم الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين لم تستطيع أن تثني عزائمهم، ورغم ضخامة الماكينة الإعلامية, والمبالغ التي أنفقت لم تستطيع الوقوف بوجه المد الهادر لصوت الحق، فلا الحصار يقيد الفكر، ولا الإعلام يطوق العقيدة، ورغم ما ينقله التاريخ عن معاناة الرسول, ألا انه استطاع إرساء دعائم بناء دولته الجديدة.
وأي دولة؟؟ فأنها دولة الحق والإيمان والعدالة، ورغم مؤامرات أعداء الدين من الداخل والخارج, والانقلابات التي جرت عليه في سنتي11 و41 للهجرة، ألا أن منهج التغيير بقى مستمر بفضل وجود القيادات المؤمنة والمخلصة من اجل الاستمرار بإصلاح المجتمع، الذي طالما حاول المفسدين النيل منه، بالسيف تارة وتارة بالتظليل وأخرى بالمؤامرات.
ويبقى التنويه؛ إلى أن في نشر أي رسالة وإقامة أي دولة، هناك ثوابت وتوجد متغيرات، فالثوابت لا يمكن أن نحيد عنها، ولا نخرج عن مسارها، وكلما تقلبت الظروف عملنا بمتغيرات جديدة، بشرط لا تؤثر على ثوابتنا، وما نعيشه بالعراق حالياً ليس بعيداً عن ما عانى منه النبي الأكرم ص، ولكن رغم البُعد الزمني، يبقى المنهج واحد والثوابت هي نفس الثوابت.
حيث لم نبتعد عن ذكرى المناسبة؛ لأننا نستلهم منها الدروس والعبر، وحياة النبي محمد حافل بذلك, والتاريخ دائماً يعيد نفسه، فهناك خط محمدي يتبنى الإصلاح, وأخر خط أموي داخل الإسلام يعمل بالضد منه، وليس بالضرورة أن أعداء بناء الدولة من خارجها، فاغلب محاولات ركوب الموجه تكون من الداخل بدعمٍ خارجي.