ما أجمل هذه المقالة الرشيقة عن تشيخوف , التي اطلعت عليها في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الاسبوعية الروسية في عددها الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني / يناير من هذا العام (2023) , والتي كانت بعنوان غريب جدا جلب انتباهي رأسا , والعنوان هذا هو – (شيلر شكسبيروفيتش غوته) . من الواضح طبعا , ان هذا العنوان يتكوّن من ثلاثة اسماء عملاقة في دنيا الادب العالمي , ومن الواضح ايضا , ان تركيب العنوان جاء حسب القواعد الصارمة لتسلسل الاسم الروسي الثلاثي , التي يعرفها الجميع , بما فيهم القراء العرب , اذ تحوّل اسم شكسبير الى شكسبيروفيتش باعتباره اسم الاب, وقد تبين , ان تشيخوف نفسه قد استخدم هذا الاسم المستعار في بداية طريقه الابداعي ( وبالمناسبة , فان لدى تشيخوف حوالي 50 اسما مستعارا في تلك الفترة !) عندما كان ينشر قصصه الضاحكة في شبابه ايام الدراسة في كلية الطب بجامعة موسكو . المقالة بقلم كاتبة شابة روسيّة اسمها يلينا سازانوفج , وصورتها منشورة مع المقالة , وهي ( اي الكاتبة ) جميلة , وترتدي في الصورة قبعة رجالية دلعا والتي زادتها جمالا, ومن الواضح جدا , انها تعرف تفاصيل حياة الانسان تشيخوف بعمق , وتعرف دقائق الكاتب تشيخوف وابداعه بعمق ايضا , وتفهم اهميته وموقعه الحقيقي والجدير به في دنيا الادب الروسي والادب العالمي معا .
كتبت يلينا سازانوفيج هذه المقالة بمناسبة يوم ميلاد تشيخوف ( ولد في 29 كانون الثاني / يناير عام 1860 ) , والمقالة مكتوبة باسلوب جميل ورشيق ومدهش , وتكاد بعض مقاطعها ان تكون قصائد نثر , وتتضمن المقالة وقائع طريفة جدا جدا عن تشيخوف , فالكاتبة تشير مثلا , الى ان تشيخوف مع تولستوي ودستويفسكي اصبحوا الان ( الترويكا),التي تجسّد الادب الروسي وتمثّله امام العالم , فمسرحية ( النورس ) لتشيخوف قد تمّ عرضها( 74 ) الف مرّة , اكرر, (74) الف مرّة, على مسارح مختلف البلدان , وتمّ انتاج اكثر من 300 فلما سينمائيا مقتبسا من ابداعات تشيخوف في روسيا وخارجها , وفي هذا المجال ( اي الفن السينمائي) يقف تشيخوف الان جنبا لجنب مع شكسبير وديكنز, وتؤكد الكاتبة , ان كل هذه الوقائع لم تغيّر من تواضع تشيخوف في مسيرة حياته , ولكنها تستدرك قائلة , ان هذا التواضع لم يمنع تشيخوف من استخدام اسم مستعار له مثل ( شيلر شكسبيروفيتش غوته ) , وتضيف – ( …وهذا هو تشيخوف…) , وهي اضافة ذكيّة والتفاتة حاذقة جدا , ونود ان نتوقف عندها قليلا ونعلّق حول مضمونها. لقد أشار معظم الباحثين الى ان تشيخوف كان (..يتجنّب المجد والشهرة ..) حسب تعبير ايليا ايرنبورغ , ولكن توجد عند تشيخوف – مع ذلك – جملة في مراسلاته تقول , ان الكاتب يتابع كل كلمة يقولوها الآخرون او يكتبونها حول نتاجاته , والاسم المستعار هذا , الذي استخدمه تشيخوف , يعني ما يعنيه , فاذا وضعنا هذا الاسم المستعار تحت ( مجهر!!!) مفهوم تشيخوف حول متابعة كل جملة تقال حول الكاتب ,فان نتيجة التحليل ستقول لنا , ان تشيخوف – وهو في بداية طريقه الابداعي – كان يريد ( او يحلم) ان يكون بمستوى شيلر وشكسبير وغوته معا , ورغم انه (.. تجنب المجد ..) , الا ان عمله الابداعي الذي لم يتوقف طوال حياته ( عاش تشيخوف 44 سنة ليس الا) , عمله الابداعي الهادئ والدائم والمتواضع جعله ( يدخل التاريخ!!! ) , وان يقف – في نهاية المطاف – جنبا لجنب مع تولستوي ودستويفسكي وشكسبير وووو..الخ , وهذا ما أشارت اليه فعلا يلينا سازانوفيج في مقالتها تلك .
تصفيق لكاتبة هذه المقالة الرشيقة والعميقة , وتصفيق لبطل هذه المقالة انطون بافلوفيتش تشيخوف , الذي لازال معاصرا لنا و يعيش بيننا , في وطنه روسيا , وفي بلدان العالم ايضا , بما فيها عالمنا العربي طبعا …