18 ديسمبر، 2024 11:06 م

حول مصطلح الادب السوفيتي

حول مصطلح الادب السوفيتي

غالبا ما اطالع مقالات باللغة العربية حول مصطلح ( الادب السوفيتي ) هنا وهناك , بل اني قرأت قبل أيام ليس الا مقالة , يتحدث كاتبها عن هذا الموضوع , و يشير الى كتب ظهرت اثناء الفترة السوفيتية لم يعد يعرفها القارئ العربي المعاصر – من وجهة نظره طبعا – , ويذكر نتاجات لمؤلفين سوفيت كتبوها بلغات شعوبهم وتم ترجمتها الى اللغة الروسية او نتاجات ادباء روس دون تحديد , وجاء كل ذلك بشكل مرتبك ومبهم ومتشابك ولا يتناسب بتاتا مع الوقائع المحددة والدقيقة لمسيرة آداب الشعوب السوفيتية اثناء الفترة من 1917 الى 1991 , اي الفترة الزمنية لدولة الاتحاد السوفيتي في القرن العشرين منذ ثورة اكتوبر 1917 الى تاريخ انهيار الدولة السوفيتية عام 1991 .

نعم , يمكن لنا ان نستخدم مصطلحات وتعابير ومفردات عديدة مع هذه الصفة ( اي سوفيتي او سوفيتية ) مثل – ( الصناعة السوفيتية ) او ( الجيش السوفيتي ) او ( الحدود السوفيتية ) او (السياسة السوفيتية ) او ( التاريخ السوفيتي ) او ( الحكومة السوفيتية ) او ( العاصمة السوفيتية ) او ( الدولة السوفيتية ) او( الموسوعة السوفيتية ) او او او …الخ العشرات من هذه المصطلحات الصحيحة والمحددة , لكننا لا يمكن ان نستخدم تلك الصفة مع كلمة الادب . وأذكر اننا درسنا هذه المادة العلمية عندما كنا طلبة بكلية الاداب في الاتحاد السوفيتي في الستينات وكانت تسمى – ( آداب شعوب الاتحاد السوفيتي ) وليس ( الادب السوفيتي ) وهي تسمية علمية دقيقة صاغها – بشكل موضوعي ومحدد – المتخصصون السوفيت الكبار في حينها , وكان هناك قسم علمي مستقل و متخصص يضم اساتذة معروفين عالميا , ويشرف هذا القسم على تدريس تلك المادة العلمية الواسعة جدا, وكان هناك كتاب منهجي نستلمه من مكتبة الكلية بهذه التسمية ايضا لمساعدتنا على استيعاب هذه المادة اضافة الى محاضرات الاساتذة .

بعض رجالات الفكر الروسي واوساطه آنذاك كانوا يستخدمون مصطلح ( الادب السوفيتي ) بشكل عام بمعنى الادب الصادر في تلك الفترة السوفيتية و الذي يترجم الى اللغة الروسية من آداب الشعوب السوفيتية , بل كانت هناك مجلة سوفيتية بهذه التسمية تصدر بعدة لغات اجنبية خاصة بتلك النتاجات , وكانت توزع في العديد من بلدان العالم بما فيها بلداننا العربية , وكان هدفها بالطبع ايديولوجي بحت , الا ان هذا كله لا يعني ان هناك مصطلح محدد ودقيق بهذه التسمية .

ان الامبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفيتي ثم روسيا الاتحادية – كانت و ما تزال لحد الان – دولة متعددة القوميات والشعوب بشكل كبير جدا, و ليس من باب الصدفة ابدا ان انهيار الاتحاد السوفيتي قد أدٌى الى ولادة 15 دولة جديدة , ومع ذلك فان روسيا الحالية ( اي الاتحادية ) لا زالت اكبر بلدان العالم مساحة كما كانت سابقا , ولا زالت تضم عشرات القوميات والشعوب غير الروسية , بل ان المواطن في هذه الدولة لا يسمى ( روسٌيا ) وانما ( روسيانين ) , وهي كلمة عصيٌة على الترجمة في كل اللغات الاخرى , وتعني مواطن تلك الدولة الروسية بغض النظر عن قوميته , فالروسي في روسيا الاتحادية هو روسيانين ( وهم الاكثرية ) , والتتاري هو ايضا روسيانين , والاوكراني والاذربيجاني والشيشاني والجورجي والصيني والفيتنامي والفرنسي ( والان ظهروا افارقة ) ووووو بما فيهم العراقيون المتجنسون في روسيا هم جميعا روسيانيون , مثلما كانوا ( سوفيت ) زمن الاتحاد السوفيتي , ولكن النتاجات الادبية التي ابدعها هؤلاء ( الروسيانيون او السوفيت ) بلغاتهم القومية لم تكن ضمن ( الادب السوفيتي ) او ( الادب الروسياني ) , بل بقيت تلك الابداعات ضمن آداب شعوبهم نفسها لانهم كتبوها بلغاتهم القومية تلك , والا فاننا يمكن ان نصل حتى الى ان رواية ( النخلة والجيران ) لغائب طعمه فرمان , والتي كتبها في موسكو ستكون رواية سوفيتية كما هو الحال بالنسبة لكل رواياته الخالدة الاخرى , ويمكن بالطبع الاشارة الى امثلة كثيرة اخرى مماثلة لذلك , ويكفي ان نذكر اسم ناظم حكمت ليس الا , رمز الادب التركي الحديث ,

والذي اضطر ان ينتقل الى موسكو وبقي فيها سنوات عمره الاخيرة وتوفي فيها وتم دفنه هناك كما هو معروف , او اسم الشاعر المبدع الكبير رسول حمزاتوف رمز الادب الداغستاني في العالم وووو…الخ .

ان هذا المصطلح ( اي الادب السوفيتي ) غير الدقيق وغير العلمي ايضا يمكن ان يؤدي بنا الى استنتاجات و مصطلحات غير دقيقة مماثلة اخرى مثل القول بوجود ( الادب العثماني ) مثلا , او الادب النمساوي – الهنغاري ( نسبة الى الامبراطورية النمساوية – الهنغارية ) , ويمكن بالطبع الاستشهاد بامثلة اخرى كثيرة جدا في هذا المجال .

الادب هو فن من الفنون يرتبط بلغة محددة , وذلك لأن اللغة هي اداة التعبير في هذا الفن , ولا يوجد أدب دون لغة محددة يرتبط بها , والادب الروسي يرتبط بالشعب الروسي وباللغة الروسية بغض النظر عن نظام الحكم السياسي في روسيا , ولا توجد ( لغة سوفيتية ) , ولهذا – وبالتالي – لا يوجد ( أدب سوفيتي ) , وان آداب الشعوب التي كانت ضمن اطار الامبراطورية الروسية او ضمن اطار الاتحاد السوفيتي او ضمن دولها المستقلة في الوقت الحاضر – تبقى ( اي تلك الآداب ) مرتبطة بتلك الشعوب ولغاتها القومية بغض النظر عن النظم السياسية السائدة في تلك الدول في مراحل تاريخية معينة , ولهذا كانت عندنا مادة علمية ندرسها في جامعة موسكو في الستينات عدا مادة – ( آداب شعوب الاتحاد السوفيتي ) وهي مادة – (الادب الروسي في القرن العشرين ) , ويعني هذا المصطلح العلمي الدقيق دراسة الادب الروسي ضمن الظروف التي استجدت عندها في روسيا السوفيتية, ولازالت هذه المادة العلمية تثير نقاشات حادة بين الباحثين والمختصين ونقاد الادب الروس والاجانب ( وخصوصا الغربيين ) على حد سواء , اذ انها تتناول النشاط الكبير للادباء الروس خارج روسيا بعد ان تركوا بلدهم احتجاجا على ثورة اكتوبر , الا انهم يستخدمون بالطبع في نقاشاتهم تلك مصطلحات علمية صحيحة و دقيقة.