18 ديسمبر، 2024 6:49 م

حول مسرحية تشيخوف – الخال فانيا

حول مسرحية تشيخوف – الخال فانيا

ضياء نافع
قررت كتابة الملاحظات الوجيزة الآتية عن مسرحية تشيخوف هذه بالذات لأني مازلت أرى عنوانها بالعربية في بعض الاحيان – ( العم فانيا ) لحد الان , وليس (الخال فانيا ) كما كتبها مؤلفها تشيخوف عام 1897 , وسبب ذلك بالطبع يكمن في ان هؤلاء الذين يحوّلون (الخال) الى ( العم) في هذه المسرحية يترجمون عنوانها عن لغات توجد فيها كلمة واحدة فقط تطلق على الخال والعم معا , بما فيها اللغة الروسية – لغة تشيخوف نفسه . عندما ارى , ان عنوان المسرحية قد تحوّل الى ( العم فانيا ) استنتج رأسا , ان كاتب المقالة او مترجمها لم يطلع على نص المسرحية ولم يشاهدها طبعا على خشبة المسرح , وابتسم , ومن ثمّ اضطر ان اعتذر همسا لروح تشيخوف على هذه الهفوة ( كدت استخدم كلمة اخرى!) العربية , التي تؤكّد عدم الاحساس بالمسؤولية عند بعض كتّابنا , عندما يسطرون الكلمات وينشرونها , وقد اعتذرت بهذه الطريقة آخر مرة , عندما قرأت خبرا تفصيليا جدا عن هذا ( العم !) في جريدة الشرق الاوسط اللندنية الشهيرة .
ونعود الى المسرحية تلك . مضمونها تشيخوفي بحت , اذ توجد فيها افكار يطرحها الابطال اثناء مسيرة حياتهم الاعتيادية ليس الا . وعن هذه المسرحية بالذات قال تولستوي كلمته الشهيرة عندما شاهدها , وخرج من المسرح غاضبا – ( …قولوا لتشيخوف وستنسلافسكي , انه لا يمكن ان تكون هناك مسرحية لمجرد ان يرقد شخص على الاريكة وينظر الى الحديقة عبر النافذة ويتحدّث…) . وقد كتب المسرحي الروسي نيميروفيتش – دانتشينكو بعدئذ لتشيخوف عن زيارة تولستوي للمسرح ومشاهدته لتلك المسرحية قائلا – ( .. تولستوي معجب بعبقريتك , لكنه لا يستوعب مسرحياتك . لقد حاولت ان اوضح له ذلك ( المركز ) الذي كان يبحث عنه ولم يجده …وقال انه توجد في مسرحية الخال فانيا اماكن مدهشة , لكن لا توجد فيها تراجيدية الوضعية …) , ويقصد تولستوي بذلك المصطلح الحدث الاساسي الذي يتمحور حوله البناء المسرحي , اي ما اطلق عليه دانتشينكو ( المركز ) , ويختتم رسالته تلك الى تشيخوف ويقول – ( .. ولكن من الطريف ان نقول , ان تولستوي كتب مسرحيته ( الجثة الحيّة ) بتأثير من الخال فانيا ..) . وفي الواقع , فان تولستوي لم يكتب مسرحيته ( بتأثير) من مسرحية الخال فانيا , وانما ( جوابا ) عليها , لأن تولستوي لم يعترف بمسرح تشيخوف الخالي من الاحداث , والذي يعتمد على الافكار والمزاج , او كما قال أحد النقاد الفرنسيين المعاصرين عن هذا المسرح – ( ..كل دقيقة فيه مليئة , ولكنها ليست مليئة بالحوار , وانما بالصمت وبالاحساس بالحياة ..) . ولا مجال في اطار هذه المقالة بالطبع الاسترسال في الكتابة عن هذا الصراع بين مفاهيم بنية المسرح عند تولستوي وتشيخوف , وكيف ان الزمن اثبت صمود وازدهار واستمرار الانتشار عالميا للمسرح التشيخوفي ( مسرح الافكار والاحاسيس الانسانية الاعتيادية ) مقارنة مع المسرح التولستوي ( مسرح الاحداث الدراماتيكية ) , ان صحّت كل هذه التعابير والتعريفات والصفات . والاستشهاد بموقف تولستوي هذا يوجب علينا الاستشهاد بموقف مكسيم غوركي المعاكس تماما لرأي تولستوي تجاه هذه المسرحية , والذي كتب الى تشيخوف بعد ان شاهدها على خشبة المسرح قائلا – ( .. شاهدتها وبكيت مثل امرأة ..) . ويطرح السؤال نفسه تلقائيا , وهو – كيف ولماذا استطاعت هذه المسرحية ان تجعل تولستوي يكتب مسرحيته الشهيرة ( الجثة الحّية ) معارضا لها وحوابا عليها , ولماذا بكى غوركي مثل النساء عندما شاهدها ؟
الفكرة المركزية في مسرحية الخال فانيا تتجسّد في ( الخيبة ) , التي يحسّها الانسان عند نهاية مسيرة حياته , هذه الخيبة المريرة والخانقة , لأن الانسان لا يستطيع ان يلغيها او يغيّرها , اذ لا يمكن ان يعيد مسيرة حياته من جديد ( وما أكثر خيبات الامل التي تعرضّنا لها جميعا !) , وفي هذه الفكرة ذات الابعاد الانسانية الشاملة لكل المجتمعات تكمن عظمة تشيخوف الفنية والابداعية , والتي تجعل من فلسفة مسرحه مفهومة من قبل الانسان , كل انسان , بغض النظر عن مجتمعه وقوميته . وهكذا نرى في هذه المسرحية كيف ان زوج اخت فانيا المتوفية البروفيسور سيريبريكوف – العالم الجليل , الذي كان فانيا ينظر اليه طوال حياته باحترام وتبجيل مع ابنة تلك الاخت واسمها سونيا , وكيف كانا يعملان معا – وبكل اخلاص وتضحية – على خدمته , ولكنه اكتشف اخيرا انانيته , وانه لا يفقه شيئا , وبالتالي , فان الحياة قد ضاعت هباء . وتحاول سونيا ( والتي تناديه طوال وقت بالخال فانيا , ومن هنا جاءت تسمية المسرحية ) تحاول ان تدخل الطمأنينة على تلك الاجواء المريرة من خيبة الامل هذه , وتقول لخالها فانيا , ان السماء والملائكة ستمنح الراحة له … وهكذا نرى ان هذه المسرحية تنتهي بعدم انتصار أحد , وان الجميع هنا خاسرون ليس الا , وان تشيخوف يرسم كل هذه الامور ببساطةأ واعتيادية ودون احداث دراماتيكية متشابكة , وهو ما جعل مكسيم غوركي يبكي وهو يشاهدها , وهو ما جعل تولستوي يحتج عليها لانها لا تتضمن احداثا وصراعات بين ابطالها , وهو شئ يتناقض ومفهومه للمسرح , ولهذا قرر ان يكتب مسرحيته الاخيرة – الجثة الحية جوابا عليها , كي يثبت وجهة نظره حول بنية الفن المسرحي .
مسرحية ( الخال فانيا ) تدور حول فكرة الخيبة في حياة الانسان , وهذه المسرحية ما زالت تعرض على مسارح روسيا والكثير من مسارح العالم منذ ان كتبها تشيخوف عام 1897 ولحد الان , بل انها انتقلت من المسرح الى السينما , حيث تمّ انتاجها (11) مرة في مختلف البلدان , ومن الطريف ان نشير في نهاية مقالتنا حول مسرحية الخال فانيا الى قائمة الافلام السينمائية تلك , وهي كما يأتي – 1 –عام 1957 في امريكا // 2 – عام 1962 في فرنسا // 3 – عام 1963 في بريطانيا // 4 – عام 1967 في السويد // 5 – عام 1970 في يوغسلافيا // 6 – عام 1970 في روسيا // 7 – عام 1986 في روسيا // 8 – عام 1994 في امريكا // 9 – عام 1994 في السويد // 10 – عام 1996 في بريطانيا // 11 – عام 2004 في المانيا .
ختاما اكرر الرجاء الى زملائي الباحثين والمترجمين ان يكتبوا ما يريدون عن ( الخال) فانيا , دون ان يحولوه الى ( العم ) فانيا .
من كتاب – ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) , الذي سيصدر قريبا عن دار نوّار في بغداد وموسكو .