18 ديسمبر، 2024 4:57 م

حول تشريع قانون التجنيد الإلزامي المفترض!

حول تشريع قانون التجنيد الإلزامي المفترض!

تدور هذه الأيام قضية هامة أعارها الرأي العام أهمية بما تستحق، فهي تتعلق بركن مهم لأي بلد يحرص على استقلاله وعلى سيادته على أرضه ومائه وجوّه، وأحسب أن العراق في ظل التقلبات الحكومية منذ ما يقرب من عقدين حين حلّ الجيش من قبل الحاكم الأمريكي بريمر، انقسم وبدت الشلل المسلحة هي التي تتسيد الموقف رغم محاولة إعادة تشكيل الجيش ووجود وزارة للدفاع، ورغم كل هذا لا يمكن نكران ما لعبه الجيش العراقي مع الحشد الشعبي في مقارعة الإرهاب وتحرير الأراضي التي احتلها داعش وأهمها طُرّاً الموصل!
وقد انقسم الرأي العام إزاء هذه القضية الى قسمين، بين مناصر لتشريع قانون التجنيد الإلزامي بحجة أن الإلزام هو واجب وطني يزيد بشعور الانتماء للوطن من مختلف أطياف المكونات العراقية مما يزيد اللحمة الوطنية والشعور بالاعتزاز في جيش وطني منضبط، وسيذيب أو يُحجّم بالضرورة النزعات الطائفية والعنصرية والطبقية، ويجعل المواطنة فرض عين على كل مواطن أنى كان مسقط رأسه وبعيداً عن التفاوتات الطبقية أو المحسوبات والاعتبارات الحزبية بما في ذلك أولاد المسؤولين أو الذوات وبين عامة أبناء الشعب… وزيادة على ذلك سيكون الجيش مدرسة في النزاهة ومحاربة الفساد والمحافظة على القيم المادية والمعنوية والثقافية للعراق وسيكون سوراً للدفاع عن القيم الثقافية والأخلاقية ناهيك عن تعزيز حب الوطن والدفاع عنه بروح عسكرية عالية. ولعل التشخيص الهام هو يعطي حجة إضافية باعتبار التطوع الحالي لا يسمح بالانضباط العالي بل يجعل الارتباط متراخياً أقرب لأي مؤسسة مدنية حيث الإجازات تمنح بسخاء والتغيب بشتى الحجج، زد على ذلك انتعاش ظاهرة دفع الرَّشاوى مقابل التستر على الغياب!! وأرى ضرورة التذكير بأن الجيش العراقي حتى في زمن اشتعال الجبهات في العهد الصدامي كان الفساد متفشياً فمن يدفع رشوات يجاز ومن لا يستطع يُحرم منها وينقل الى خطوط النار والأمر معروف ويتذكره كل من خدم العسكرية في ذلك العهد المقيت!!
وفي الحقيقة أنْ لا خلاف مع الجانب الافتراضي الذي يتحجج به أصحاب الوقوف مع التشريع، إنما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، هل الظروف الحالية مواتية لقانون لسن التشريع الإلزامي؟!
لا أرى أن الظروف الحالية مواتية أبداً، حيث دائرة الفساد مازالت تشتغل على قدم وساق وقضايا السرقات مستمرة، يكشف عن اليسير منها ويغض النظر عن الكثير، وحيتان الفساد الكبرى تحتل مواقع هامة في تسيير شؤون الدولة والرشوات تشكل عرفاً سائداً في كل الدوائر الحكومية، والميليشيات لها دورها في الحياة العملية بل تجدها ممثلة في محاصصة الوزارات..والأمراض الاجتماعية من قبيل العطالة عن العمل وتعاطي المخدرات المستشرية بين الشبيبة ومعدل الجريمة في ارتفاع.. والأهم فإن أي مشروع بما في ذلك مشروع القانون الإلزامي سيفتح الأبواب أمام الفساد والتسيب وانتقال كل الأمراض الاجتماعية الى الجيش الموعود!
فلا بد إذن من إجراءات ملموسة في وزارة منضبطة تكافح الفساد والسرقات وتحمي الإنسان من الاستغلال بكل اشكاله والعمل على استرجاع هيبة الدولة بإحالة كل الفاسدين الذين نهبوا أموال الدولة الى القضاء النزيه بدءاً بالحيتان الكبيرة وإنزال أشد العقوبات بهم واسترجاع المسروق من الأموال، وإحالة القتلة المجرمين الى القضاء وتنفيذ الأحكام القضائية حتى لايصار الى تهريب المجرمين! ولا بد من تنظيف مؤسسات الدولة من المرتشين، ولا بد من وزراء من التكنوقراط الذين يجمعون بين الكفاءة والنزاهة والشجاعة.. ولا بد من الشروع بمناهج دراسية تؤكد على الروح الوطنية واشاعة المنحى العلماني الديمقراطي في المناهج الدراسية التي تنبذ وتمنع الممارسات الطائفية والعنصرية والمناطقية في التعليم، وجعل المدارس مكاناً يليق بالعملية التعليمية مجهزة بما يلزم من كتب وقرطاسية ورحلات تخضع للإشراف الدوري من أجل المتابعة ومنع التسرب المدرسي بدعوى العطل الدينية!
لا شكّ أن صيانة الحدود والمنافذ الحدودية أمر ينطوي على أهمية كبرى في تنشيف منابع إدخال الممنوعات، وصيانة الحدود من الدخول الكيفي بحجة زيارات أضرحة ومقامات الأئمة، وغير ذلك الكثير في مجال الأمن الغذائي والمؤسسات الصحية وحفظ كرامة المرضى وتوفير الغذاء والدواء.
وهنا يكون تسنين قوانين الضبط العسكري وصيانة كرامة الجنود ومعاملتهم جميعا بروح الانضباط دون التجاوز على أي فرد ودون محاباة وفق المنحدر الحزبي أو الطبقي أو الطائفي او المناطقي، وجعل المعسكرات معاهد لتعلم استخدام الأسلحة وفنون القتال، وتوفير كل المستلزمات الضرورية من طعام ومنام ومكتبات وصالات عرض أفلام …
وهذا يعني أنه لا يمكن الفصل بين الواقع الموضوعي الملائم عن التشريع الإلزامي.. فأن تحققت الظروف المذكورة آنفاً عند ذاك يصبح تشريع القانون الإلزامي للخدمة العسكرية واجباً لا مناص منه!
الخامس من ت1/نوفمبر 2022