حول سؤال استبيان طرحه عليّ أحد الأصدقاء الإعلاميين بخصوص المواقع الإلكترونية ومحركات البحث وعن أيهما أفضل ولماذا؟ وقد كتبت اجابتين الأولى شخصية تخدم الاستبيان، والثانية اخترت أن تكون للفائدة العامة في شكل مقال أضعه بين ايديكم هنا..
إن الحديث عن أفضلية المواقع الالكترونية ومحركات البحث يشبه الحديث عن أفضلية المطعم بنادل ومن دون نادل، العلاقة واضحة فالنادل في المطعم هو من يقوم بخدمة الزبائن وتقديم قائمة المأكولات لهم والتوضيح لهم بشأن الخدمات التي يقدمها المطعم وأنواع الأكلات والأطعمة، وأفضلها لديهم، وبدونه يكون الحصول على زبائن للمطعم صعبا نوعاً ما، كما أن ازدهار المطعم في ظل هذه الحالة قد يتأخر كثيراً، والمطعم الذي أتحدث عنه هنا هو ذاته فضاء المواقع الإلكترونية وأما النادل فهو محرك البحث الذي يعرض عليك جميع الأصناف الموجودة في فضاء المواقع الالكترونية من أخبار ومقالات وتحقيقات وحوارات وما إلى ذلك من مواد صحفية تنشر على تلك المواقع الإلكترونية وللجمهور مطلق الحرية في أن يختار ما يناسب توجهاته السياسية والفكرية والاجتماعية و جميع اهتماماته أيضا بما يطرح أمامه من صيغ مختلفة للأخبار نفسها، ولكن، كما نعلم، يحكم مصداقيتها وتفاصيلها وطريقة تقديمها توجهات الموقع الاخباري وانتمائه ومصدر تمويله، ولعل الأمر واضح فالمصداقية والشفافية والمهنية في كل تلك الأرتال من المواد الإعلامية تزيد وتنقص بقدر استقلالية الموقع وانعتاقه على تمويل ذاته بذاته وابتعاده عن الولاءات، فالمتحكم في المواد الإعلامية غالبا هو مصدر التمويل بكل أنواعه وحينها لن يكون هناك فرق في أن تقرأ هذا الخبر من ذاك الموقع أو في ذلك الموقع أو غيرهما لإن الارتهان الى مصادر التمويل هو الفيصل في مصداقية الخبر وشفافيته كما أن الانعتاق من ربق التمويل الحزبي او التجاري أو السياسي لا يعني مطلقا أن المواد التي تنشر على الموقع تتسم بالحيادية كلا فالأمر ليس له علاقة بالحيادية ولكن علاقته الأكيدة هي بالحقيقة الناصعة مهما كانت مسيئة لأشخاص أو تيارات وتوجهات سياسية وحزبية واجتماعية ودينية وغيرها.
المشكلة القائمة الآن في محركات البحث هي أنها تنتهج نفس سياسة المواقع الأخبارية فمصادر تمويلها وانتماءات القائمين عليها ومنشئيها تتحكم في نوعية المواقع التي تستضيف موادها وتعرضها فيها وإذا كان موقعك معارضا أو مستقلا لتلك التوجهات فلن تجد لأخبارك حظا بداخل تلك المحركات، وكما يبدو فإن هذه السياسة المنتهجة قد أفسدت أجواء الديمقراطية التي يجب أن تعيش في مناخها محركات البحث وتتحكم في ما تعرضه من تحديثات مستمرة لأخبار ومواد إعلامية لشبكة المواقع الإلكترونية فيها.
مفاد القول أن المواقع الالكترونية ومحركات البحث وجهان لعملة واحدة كلاهما يقدم خدمات للجمهور لكن هذه الغايات ستتشوه حتما عندما تفتقر محركات البحث للحياد والشفافية وترتهن إلى مصادر تمويل تجعلها تفقد حسها الديمقراطي الذي يفترض أنها تتمتع به لصالح الجمهور وخدمته؛ وأما المواقع فلا بأس أن يكون لأصحابها توجهاتهم المختلفة وانتماءاتهم المتعددة لإن لدى أصحابها والقائمين عليها بيوت ينتمون إليها وأسر يجب أن تلبى احتياجاتها، كما أن التعارض والاختلاف من علامات ازدهار الديمقراطية بل هي عنوان لها.
و على ذلك ندعو إلى استقلالية وحيادية محركات البحث وانعتاقها من ربق الانتماءات والولاءات بكل أنواعها لتوفير مناخ ديمقراطي يتسع للجميع.