تتجاهل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة حقيقة ان ما تقوم به سوريا ضد عصابات القتل والنهب والتخريب بكونه حقا مشروعا تمارسه دفاعا عن شعبها وسلامة أراضيها ومؤسساتها الثقافية والعلمية وتراثها التاريخي. وليت الولايات المتحدة سلكت الموقف الذي تتخذه من داعش في العراق أو اكتفت بالوقوف على الحياد وهو أهون الشرور. لكنها على العكس تقوم بالتعاون مع حلفائها في تدريب وتمويل وتسليح عصابات الموت والإرهاب التي يقدر عددها بعشرات الآلاف من المرتزقة العرب والأجانب الوافدين من حوالي 86 بلدا. انه سلوك شائن لا يليق بدولة بقيت لقرون بكونها رمزا للتقدم العلمي والثقافي ورمزا للعالم الحر.
قيام الولايات المتحدة يوم السادس من الشهر الحالي بإطلاق 59 صاروخا على منشآت عسكرية سورية كرد على هجوم مزعوم بالأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري على ضواحي إدلب لم يكن في حقيقة الأمر سوى رسالة موجهة لروسيا والصين. الهدف من تلك الرسالة هو اشعار الدولتين بأن الولايات المتحدة لا تتردد في الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية وعلى الدولتين رفع أيديهم عن سوريا. لقد رد الروس على الرسالة الأمريكية فورا محذرين ” بأن من يطرق الباب يسمع الجواب ” وهي فرصة للتفكير وإعادة النظر بحساباتها قبل أن تقرر ارتكاب حماقة جديدة سواء في سوريا أو أي مكان آخر بما في ذلك كوريا الشمالية.
ان وسائل الإعلام الغربية وخصوصا الأمريكية قد احتفلت بالنصر الزائف الذي رافق اطلاق 59 صاروخا توما هوك على مطار الشعيرات في حملة تعتيم غير مسبوقة على فشل أغلبية الصواريخ في الوصول إلى أهدافها. فحملة التهليل كانت حملة تضليل في الوقت نفسه لرفع معنويات القادة الأمريكين وأعضاء مجلسي الكونغرس بعد أن اكتشفوا ان 36 صاروخا من مجموع الصواريخ 59 التي أطلقتها قد أسقطت بواسطة الطائرات الروسية بحسب ما أوردته صحيفة ” نيزافيسيما ” الروسية.
ومن المرجح ان يكون الأمريكيون قد أرادوا في الضربة الأولى الاكتفاء بإطلاق 36 صاروخا فقط وهي حمولة المدمرة الأولى التي اعترضتها طائرات ( سو- 35) الروسية فيما كان البحارة الأمريكان يراقبون على شاشات راداراتهم تساقط صواريخهم الواحد تلو الآخر. لكن خلال فترة غياب الطائرات الروسية للتزود بالذخيرة والوقود استغلت المدمرة الأمريكية (بريتر) غياب الطائرات الروسية عن شاشات راداراتهم أطلقوا ما في جعبتهم من صواريخ وهي التي أصابت مطار الشعيرات السوري وعددها 23 صاروخا.
قرار الرئيس ترامب بإطلاق صواريخه على دولة ذات سيادة قرار خاطئ حتى ولو كانت سوريا قد استخدمت سلاحا محرما دوليا فكيف بها اذا لم تستعمله أصلا كما تؤكد أكثر التقارير المحايدة ..؟ ومن ناحية أخرى ان قصف منشآت عسكرية سورية فد جاء في صالح المنظمات الإرهابية داعش والنصرة وحليفاتها في وقت تتعرض مواقعها لهزائم تحت ضربات القوات المسلحة السورية. المكسب الوحيد الذي حققه الرئيس ترامب هو تحسين موقعه لدى المحافظين الجدد من دعاة الحرب والعدوان على الدول المستقلة الرافضة للهيمنة الامبريالية الأمريكية.
ردود الفعل على قرار الرئيس ترامب بقصف سوريا قوبلت بالسخط والاستنكار والتشاؤم وخيبة الأمل داخل أوساط أعداء الحروب و أنصار التعايش السلمي. فالمجلة العلمية الأمريكية ( Bulletin of the Atomic Scientists ) كانت قد حذرت من تصاعد التوتر بين الدول النووية معلنة ان الحاجة ماسة لقيام السياسيين برفع أصواتهم لإبعاد البشرية عن حافة الحرب. واذا لم يفعلوا فعلى المواطنين من ذوي الحكمة و التعقل التقدم لقيادة حركة السلام ومنع الحروب لإنقاذ كوكبنا من الفناء. واذا ما اعتمدنا على قيادتنا في الكونغرس فلن نتمكن من منع تردي الوضع بل علينا الاتصال شخصيا بأعضاء مجلسي الكونغرس وافهامهم بخشيتنا مما يرتكب باسمنا. الآن وفي هذه اللحظة يجب ان ترسل رسائل الايميل لجميع ممثلينا في المجلسين طالبين منهم التعاون بين روسيا وأمريكا للتوصل إلى السلام في سوريا، وبذلك نقلل من احتمال التصادم بينهما. ما يقوم به أعضاء مجلسي الكونغرس هو تصعيد حمى سباق التسلح المجنون.
وفي مجلس الشيوخ الأمريكي ذاته وصف السيناتور الجمهوري كريس مورفي الضربة الجوية لسوريا بالمغامرة الخطرة ، كما قال عنها السيناتور بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية الأخيرة بالقول ، أنا شديد القلق فمثل هذه الغارة الجوية قد تورط الولايات المتحدة في صراع عسكري طويل المدى في الشرق الأوسط. وكتب المستشار السابق لنائب الرئيس أوباما جو بايدن السيد كولين كال في مقال له في صحيفة الواشنطن بوست يوم التاسع من الشهر الحالي ، اذا لم يستطع الرئيس ترامب ورئيس الكرملين الاتفاق حول سوريا فان القوتين النوويتين قد يواجهان صداما خطرا. الغرق في المستنقع السوري سيكون سيئا بما يكفي.
أما السياسي الأمريكي المخضرم رون بول الذي ترشح لرئاسة البيت الأبيض ثلاث مرات فقد قال ، الاحتمال الأكثر ان الهجوم بالغاز قد قام به الارهابيون أو حتى منظمتنا السي آي أيه التي قامت به كمحاولة أخيرة لتعزيز دور المنظمات الإرهابية التي تحارب الأسد التي تتعرض للهزيمة بعد ستة سنوات من الحرب. وقال أيضا ، هل يكذب علينا المحافظون الجدد والصحافة الموالية حول ما حدث بالضبط..؟؟
لقد فعلوها من قبل وهذا ما يفعلوه الآن. لقد كذبوا عند عدوانهم على العراق. وكذبوا عند عدوانهم على القذافي ، وكذبوا في سعيهم لتغيير النظام في سوريا في المقام الأول. ينبغي الأخذ في الاعتبار انهم يكذبون. هل الرئيس ترامب يرغب حقيقة أن تقوم الولايات المتحدة بدور القوة الجوية لداعش ..؟؟ و انهى رون بول مقاله بالقول ، ” ليكن معلوما ان روسيا لن تتراجع عن دفاعها عن الأسد.”
واذا ما تورطت الولايات المتحدة في الاعتداء على كوريا الشمالية فلن تنجح هنا أيضا فكوريا قد لقنت الأمريكيين درسا قاسيا أثناء الحرب الكورية في الأعوام 1950-1953 فحينها لم يكن لهم صواريخ متوسطة وطويلة المدى ولا أسلحة كيماوية أو نووية ومع ذلك دافعوا عن بلادهم ببسالة نادرة أجبرت المعتدين على الانسحاب. اليوم تهدد كوريا الشمالية بانها لو هوجمت فان صواريخها الحاملة للرؤوس النووية قد تضرب العاصمتين اليابانية والكورية الجنوبية إضافة إلى مدن أخرى في الدولتين. بنفس الوقت حذرت روسيا والصين الولايات المتحدة من أي أعمال عدائية. بنفس الوقت اقترحت روسيا على أمريكا التعاون معها للتوصل الى حل سلمي للنزاع في سوريا. فهل من يعيد الحصان الجامح إلى اصطبله…؟؟