23 ديسمبر، 2024 2:23 ص

 السياسي : هو العارف بأحوال البلاد والعباد، والخبير بشؤون إدارة الدولة ومصالح الشعب، والمطلع على السياسات الدولية والإقليمية، والمشارك في صنع القرار. ولا يقتصر هذا التعريف على زمان من الأزمنة. وفي عصرنا الحاضر للسياسي دور أكبر من ذي قبل؛ لما وصلت اليه الأوضاع العالمية في عصر ما بعد الحداثة، من تطورات أيديولوجية وتكنولوجية ميزت هؤلاء السياسيين عمن سبقهم.
والسياسي المؤمن يمتاز عن غيره من السياسيين بارتباطه بالشرع الإلهي، وبالقيم والتعاليم الإسلامية. وهو الرجل الثالث بعد المعصوم والمرجعية. وفي الوقت الحاضر وفق سياسيونا في العراق الى التصدي لسياسة البلاد في ظروف استثنائية، وفي مجتمع انهكته السياسات الديكتاتورية للحكومات التي تتابعت على حكمه عقودا من الزمن.

بعد سقوط النظام البائد، انبرى سياسيونا لقيادة الوطن، واوكل اليهم الشعب عبر صناديق الاقتراع؛ مهمة اعماره سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافيا .. وعلقت في رقابهم تركات البعث، والحروب التي رزء بها البلد، وجميع الامراض الاجتماعية، والثقافات الهدامة وقيم التخلف والجهل، والنشاطات السلبية، وعدم المبالاة بمستقبل البلد من قبل قطاعات واسعة من المجتمع. وعلى السياسي وفق وجهة نظر العقل الجمعي للشعب؛ ان يعمل على ازالة جميع تلك السلبيات، وهو المسؤول الأول عن صنع مستقبل زاهر للبلد. وفي مجال عمل السياسي، يحيط به عدد من الأشخاص المقربين منه بحكم عملهم معه، وعادة ما يكون الكثير من هؤلاء من الوصوليين والمفسدين، ويمتازون بكونهم من ذوي الشأن مناطقياً او سياسيا او اقتصاديا او ما الى ذلك.

ولم يخلو زمن من الازمان، من وجود المفسدين في أروقة السياسة والسلطان، وحتى في ظل حكومة الله تعالى يوجد العدل والظلم، والخير والشر. والله عز وجل تحدث عن الظلم والظالمين بإطار الواقع الأرضي، باستخدام الظالم كسيف له ينتقم به وينتقم منه، ولم يتحدث عن اجتثاث الظلمة في بدئ الحركة الإصلاحية. فلم تخلوا حركة لنبي او وصي؛ من وجود الحواشي السيئة الملتفة حوله، وكما يلاحظ ان لتلك الحواشي ثقلا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا؛ يحتم على النبي او الوصي مسايسة أولئك المنافقين، والاستفادة من مقدراتهم، وتطويع امكاناتهم لتنجيز مخططاته وبرامجه ومشاريعه الاستراتيجية. فالمطلع على سياسة النبي محمد (ص) مع زعماء القبائل التي دخلت في الإسلام، يجده قد قرّب بعضهم، وتزوج من نسائهم، وأمّر منهم على جيوش الغزوات. وليس الحال أفضل في زمان خلافة علي ابن ابي طالب عليه السلام، فقد كان في حواشيه وقادة جيشه والمقربين منه؛ أمثال قيس ابن الاشعث وأبو موسى الاشعري وشمر بن ذي الجوشن والكثير ممن اصبحوا خوارجا فيما بعد.

وفي عصرنا الحاضر لم تختلف الصورة كثيرا عما مضى، بل أصبح المشهد السياسي والاجتماعي أكثر تعقيدا وتشابكا، وما يزيد الامر سوءً؛ كون سياسيونا لا يمتلكون الحصانة التشريعية التي يمتلكها الأنبياء والاوصياء، ولا حتى المكانة الروحية والشرعية التي يتحلى بها المراجع العدول. ومع غزو الثقافات الاجنبية للمنطقة، وتحكم السياسات الغربية والإقليمية المحملة بالكثير من الأيديولوجيات والمفاهيم القائمة على المصالح، والمغتربة عن الإسلام والقيم الدينية النبيلة؛ وسمت السياسة المحلية بسمة القيم الميكافيلية، واصبحت ثقافة التعميم والتعتيم، الممزوجة بالجهل بحقيقة وقيمة رجل السياسة المتدين هي السائدة في قواميس الذهن المجتمعي، فبمجرد وجود حواشي فاسدة تحيط بالسياسي؛ عد ذلك السياسي كغيره من السياسيين الممقوتين. ولعلنا نُخطّيء القول بأن على السياسي ان يغربل حواشيه، ويتخلص من المفسدين كي يبرئ ساحته، ثم يشرع بالقيام بدوره في القيادة السياسية.
ذلك القول مشابه لمن يريد ان يعطل الحكومات، ريثما يتم اصلاح المجتمع. فهم يجهلون كون أولئك الحواشي من المجتمع ذاته!.

من واجبنا ان نعين ذلك السياسي على شق طريقه الإصلاحي في سياسة البلد، اما الحواشي الفاسدة فسوف يأفل نجمهم، وتنقشع سحبهم السوداء، ويصفوا الكدر بمرور الزمان، وتحقيق الانتصارات السياسية لذلك السياسي المؤمن.
تلك موعظة لنا بأن نعيد حساباتنا، ونحسن الظن بسياسيينا الفضلاء، والاجتهاد في اعانتهم على تجاوز المحن، وانجاز مشاريعهم التي من شأنها ان تخطو بالبلد قدما نحو الرفاهية والازدهار.