بعد نشر مقالتي (في ذكرى اعتقال الجرذ) أمس، تلقيت في نفس اليوم رسالة من أحد القراء. وبقدر ما كانت الرسالة هادئة، وخالية من الشتائم السياسية، والطعن المذهبي – وهذه تحدث لأول مرة من قبل الجماعة – فقد ضمت في سطورها مرافعة دفاعية مستميتة عن صدام. ولأن الرسالة شخصية، وقد لا يرغب صاحبها بنشرها كاملة، او يرغب بنشر اسمه، فسأقوم باختصارها ومناقشة زبدتها وجوهرها دون المرور على تفاصيلها.
يقول القارئ (…..) في رسالته هذه: أن مقالة (في ذكرى اعتقال الجرذ) قد ضمت مغالطات وتهماً غير صحيحة ضد (الرئيس صدام حسين)، فالرئيس لم يكن جباناً، ولا مرعوباً، او خائفاً يوم اعتقل من قبل قوات الاحتلال، إنما كان في وضع غير طبيعي، نتيجة تعرضه للغازات المخدرة التي أطلقها عليه الأمريكيون في المكان الذي كان قد نزل اليه قبل وقت قليل من اعتقاله. ويكمل المرسل رسالته فيقول: لم يكن الرئيس صدام يختفي في هذه الحفرة، إنما كان يختفي في غرفة عادية، فيها سرير، ومطبخ، وحمام، وغير ذلك. وهو لا يستخدم هذه الحفرة إلاَّ حين يكون في وضع خطير للغاية. ويؤكد المرسل في رسالته على (شجاعة الرئيس صدام حسين، وعدم جبنه قط)!!
أما النقطة الثانية التي أسهب في تفصيلها صاحب الرسالة، فهي التي تخص علاقة صدام بتنظيم داعش. حيث يقول: (أنك نوَّهت وألمحت في مقالتك الى علاقة ما بين الرئيس صدام وتنظيم داعش من خلال هذا النص، الذي قلت فيه: (فعصابات البعث، وأتباع عزة الدوري (النقشبندية)، وتنظيم داعش، وغلمان عشيرة صدام الذين نفذوا جريمة سبايكر بحق الطلبة العزل، هم بعضٌ من بضاعة صدام الفاشية والإرهابية القذرة التي تركها للعراقيين).
وهذا يعني -والكلام لم يزل لصاحب الرسالة- أن الرئيس صدام حسين هو الذي أنشأ تنظيم داعش. وهذا ظلم كبير. إذ كيف تتهم الرئيس بداعش، بينما أمريكا نفسها، ومحكمتكم أيضاً، قد برأوا ساحته من إثم هذه العلاقة؟ انتهت الرسالة، والآن دعوني أرد على صاحبها بنفس أسلوبه الهادئ، وليعذرني على نشره في الجريدة، فأنا صحفي وهذا شغلي، كما أن القضية هي قضية عامة، وليست قضية شخصية بينه وبيني. إنها قضية شعب يتعرض للتدمير، وقضية بلد لم يتركه (رئيسه الجرذ) إلاَّ خراباً. حتى بات الآن على شفا ألف حفرة من الضياع والتقسيم والإلغاء التام ليكمل عليه بعدها أتباعه ومرتزقته الذين ترعرعوا تحت يديه أيا زمان.
بالنسبة للحفرة التي ألقي فيها القبض على صدام، فهي حفرة حقيقية لامجال للشك بها، وهي ليست ديكوراً صنعه الأمريكيون في هوليوود لتمثيل فيلم عن صدام حسين، ولا هو وهم من أوهام العروبة، أو قصة من قصص ألف ليلة وليلة. إنها حفرة واقعية مُسِك فيها الرجل بكل قاذوراته، (وأشيائه) الأخرى. أما إذا كان يختفي في غرفة بجانب هذه الحفرة، فيها سرير وحمام ومطبخ، كما يقول صاحب الرسالة، فهذا لن يؤخر أو يقدم في الموضوع حتماً. خاصة وإن صدام لم يستخدم البندقية المحشوة بالعتاد في مواجهة عدو كان ينتظر مقاتلته، ولا ذلك المسدس الذي وضعه للاحتياط كحل أخير. وكم تمنى الكثير من الناس أن يستخدمه صدام ولو بإطلاق رصاصة واحدة يضعها في رأسه، فيموت ميتة يمكن أن لا يقال بعدها: مات جباناً. فأية شجاعة هذه التي يتحدث عنها صاحبنا، وقد ترك صدام جيشه مهزوماً، ليهرب بجلده؟!
في آخر لقاء تم بين صدام، واللواء بارق الحاج حنطة، بصق صدام بوجه بارق، ثم نعته بالجبان. فصرخ به بارق قائلاً: -أنا لست جباناً ياصدام، إنما الجبان الذي يزور حضانة أطفال فيصطحب معه مئتين وخمسين حارساً!! فأكفهر وجه صدام من الغضب، وتناول خنجر أحد حراسه ليقتله فيه…!! أما عن تنظيم داعش وعلاقته بصدام، فأنا لم أتهمه جزافاً، ولم أخترع كلاماً من عندي. فهذا صاحب، وحبيب صدام عبد الباري عطوان، وهو كما يعرف الجميع (عروبي وصدامي للگشر)، يقول:
رويتر- (يكتب عبد الباري عطوان بكثير من الموضوعية والحيوية، وبطريقة تجذب القارئ حتى وإن اختلف معه في الرأي أحيانا.. فذلك المزيج من الصدق والعمق والجرأة يتكفل باستمرار انجذاب القارئ إلى نصه. ويرى عطوان في كتابه (الدولة الإسلامية: الجذور. التوحش. المستقبل) إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أقرب الى الدولة فعلاً منه الى تنظيم إرهابي فحسب!!. ورأى أن التنظيم تبنى أسلوب العنف الزائد أو “التوحش” عمدا من أجل إرهاب أعدائه وسحقهم نفسيا.
وقال إن الولايات المتحدة لم تؤسس الدولة الإسلامية وإن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هو الذي بذر البذور الأولى لقيام تنظيم من هذا النوع يعتمد العنف المفرط في الوحشية..)!!
انتهى النقل عن وكالة رويتر.. وناقل الكفر ليس بكافر.