ليس تكريم الشاعر الكبير حميد سعيد مجرد احتفاء باسم شعري بارز فحسب، بل هو تتويج لتجربة إبداعية رسخت حضورها في ذاكرة الشعر العربي الحديث، ونسجت من خيوط الألم والأمل، ومن تراث الأمة وهموم حاضرها، ما يجعلها جديرة بكل إشادة وتقدير.
لقد جاءت جائزة سلطان بن علي العويس بما تمثله من قيمة رمزية وأدبية لتصيب كبد الحقيقة، وتضع يدها على جوهر القصيدة العربية المعاصرة كما تجلّت في منجز حميد سعيد. فالرجل لم يكن شاعرا عابرا في تاريخ اللغة، بل كان شاهقا في لغته، ممعنا في استبطان الوجدان العربي، وصياغة رؤاه في أبهى تجليات الشعر.
تميّزت تجربته بالتماسك الفني والنضج المعرفي، حيث تلتقي في نصوصه أصداء التراث العربي والإنساني، لا بوصفه حنيناً إلى الماضي، بل بوصفه مرآة للوعي، ورافعة لرؤية حداثية لا تنكفئ على ذاتها، بل تندمج في حركة العصر، وتقلباته، وتحدياته الجارحة.
من قرأ وتابع دواوين الشاعر حميد سعيد الثلاثة عشر ابتداء من (شواطئ لم تعرف الدفء 1968 الى ديوانه الأخير نجمة بعد حين 2022) يميز تلقائيا أنها ليست مجرد بناء لغوي متقن، بل هي نبض حي، يتلوّن بانفعالات الزمن، ويحتشد بتجربة إنسانية عميقة، تنهل من الوجع العربي المستمر، ومن حلمه العنيد بعدالة مؤجلة وجمال مأمول. لذلك، حين تُقرأ، لا تترك القارئ على حاله انما تهزّه، وتقلقه، وتوقظ فيه السؤال والموقف.
إن منح الجائزة لقامة شعرية رفيعة هو في حقيقته إنصاف للشعر حين يكتبه الكبار، وتكريس لمكانة القصيدة التي لا تزال، رغم كل شيء، قادرة على أن تكون ضمير الأمة ونداءها المستتر.
ولعل هذا التقدير ليس فقط احتفاءً برجل كتب الشعر، بل احتفاء بشعر كُتب ليبقى، وليقاوم هشاشة الزمن، وشحوب اللحظة، وضجيج الكلمات التي لا تقول شيئًا.
في زمن ترتبك فيه القيم وتتهالك فيه المعايير، تأتي جائزة الشعر هذه لتعيد التوازن، وتضيء مشكاة الشعر بما يليق به، حين يتجسد في تجربة حميد سعيد شاعر يُجيد الإصغاء إلى التاريخ، ويكتب بمداد القلب، ويخاطب المستقبل من نافذة القصيدة.