هل هي حمى التحريض وقد أنتقلت إلى الرؤوس المنتحلة للخراب أم حمى العقائد المشحونة بالقسر؟ ثمة دروس مجانية في قواعد اللغة العقائدية الجديدة المعلن عنها من قبل ملوك الطوائف وكّتابهم وشعاراتهم الجديدة: كيف تصبح عقائدياً مفترساً في سبعة أيام؟ يتعذر علينا، في هذه المقالة، أن نقف عند كل مداخلة من تلكم المداخلات التي شكلت جميعاً مادة التحريض على الحرب الطائفية أو الاصطفاف الطائفي العقائدي، وكأنها نزهة، ومحور كتابات المحرضين تصب في خانة الحرب التي تُوهم البعض بالخلاص بطريقة الاسترخاءات الذهنية، ولعلنا نسيء إلى تماسك بعض هذه المداخلات أو إلى السياق الذي ينتظم كلاً منها إذا ما حاولنا أن نقتطع منها أجزاء أو نختار منها ما نراه، أعتباطاً، أفكارها الأساسية ذات الطابع اللامكترث بالنتائج، فهي قد عّبرت بأمانة وصدق عن التجربة الذاتية ذات الخصوصية الطائفية المعروفة المزاج لكل متداخل في هذا الحقل أو ذاك من حقول الألغام، ولكن إذا تعذر علينا، أيضاً، في هذه العجالة الوقوف عند هذا الكم الهائل من المداخلات التي تحمل طابعاً تحريضياً فلا عذر لنا إذا ما أغفلنا الإشارة ولو بصورة تلميحية إلى النتائج التي تترتب بشكل مفزع على كاهل الفرد العراقي لأن الذي يدرك حجم الخراب أو همجية الحرب أو السلوك الطائفي سيكون في الضد من ذاك الذي يدعو إليها بوصفها، ظناً منه أو تغافلاً، حرباً مقدسة لتطهير البلاد، من هنا أدعو صراحة إلى بذل المزيد من الحكمة لمواجهة المحاولات الرامية إلى جر البلاد إلى محرقة جديدة لتحقيق (الوعد المنتظر) وعلينا الألتفاف للوراء قليلاً بحمحمة وجدانية غير واهمة كي نُخرج البلاد من هذه الحرائق المتوالية التي يتعرض لها كل يوم لا أن نسعى لاستقدامها طرباً وكأننا ببرنامج (ما يطلبه المحرضين) ولكي لا نتعصب تعصباً أعمى وندعو إلى مزيد من الحرائق، علينا أن نرتقي بعقولنا وضمائرنا وأخلاقنا إلى مستوى اللحظة التاريخية الحرجة من عمر هذا الوطن المستباح، كل هذا من أجل أن لا يتحول المجتمع برمته إلى ضحايا وقتلة، فقد كان على هذه المداخلات ان تستفز المعرفة والوعي لا أن تستفز الغرائز بطريقة التهويمات العقيمة العمياء التي تؤسس للموت لا للحياة ، للجنون لا للعقل وتاريخنا العراقي المعاصر حافل بهكذا تحولات ومضية لا تجدي نفعاً بل تُورث الدمار والموت، كما أن هذا الاسلوب في التحريض ليس مصادفة، فمحور الطوائف قد أحدث في الماضي مثلما يريد أن يحدث الآن انقلابات خطيرة داخل بنية المجتمع لازلنا ندفع ثمنها باهضاً حتى اللحظة مثلما لعبة الانخراطات السياسية الثقافية الكاذبة لم تأت مصادفة هي الأخرى بل جاءت إلينا محمولة عبر ايديولوجيا العقائد المغلقة، كل هذه الاسماء كانت بمثابة أقنعة تخفي وراءها اورام الافكار العقائدية الطائفية المستهلكة الموروثة التي سببت ضموراً عقلياً للكثير ممن كانوا يبحثون عن محميات فكرية كاذبة . ثمة من يعتقد انه يحتكر الحقيقة ولا يمنحها إلا للمقربين المبشرين بأفكاره التي تدعو إلى الدخول للجنة ببطاقات الحزب العقائدية المذهبية وهكذا يصبح المواطن آلياً في سلوكياته أو طريقة تفكيره وسوف يقوم بتقديم استجاباته النفسية عن طريق كاريزما العقائد/الطوائف هذا هو الهتك الروحي أو الفتك العقلي الذي يقدمه العقائدي/الطائفي بمفاهيمه المحكمة الاغلاق ذات السمة الذهنية المطلقة المتناغمة مع تطلعاته الآخروية المفعمة أيضاً برؤية غيبية لا تشبه حتى نظيرتها، تلك المتعلقة برؤية الانبياء كما يعتقدون وبهذا نصل ويصلوا إلى الجنة ولكن تحت اشلاء العراقيين هذه المرة، يبدو أن الحروب وبعض ملحقاتها لم تكونا كافيتين لاشباع غرائز المحرضين على الطائفية أو على المزيد من الموت ضمن مساحات ضيقة، في أعلى الرأس، مؤثثة بالخراب لقد قالها احمد شوقي ذات مرة (شئ ما في أعلى الرأس يتحطم) . لكي لا يأخذ الحوار منحى آخر لا نحبذه ولا نطمح اليه علينا أن نمضي قدماً لنزيح كل الاشارات الممنوعة التي تعيق عملية الفكر والتفكير في شوارع الرأس العراقي المتشعبة التي أثقلها الهم المقيم ابداً وأوجعها الأنين الازلي حتى خدعها الحنين إلى عراق جميل مؤجل .