آلام في الصدر وغثيان وإرهاق، جميعها أعراض الحمل الأولى. وهو الاستنتاج الطبيعي الذي قد تتوصل إليه أي إمرأة تأمل الحمل وتنتظر المولود. لكن الحقيقة مختلفة جذرياً، فالحمل الكاذب إنذار خاطئ، فرغم كل أعراضه الصحيحة التي تجعل المرأة تعتقد أنها حامل فعلاً وتنتظر قدوم مولود، إلاّ أن الجوف يكون خال تماماً. معظم علامات الحمل المختلفة موجودة على المرأة، إلاّ الوجود الحقيقي للجنين فإنه ضرب من الخيال.
كل هذه الأعراض المضللة تجعل الأسرة تفرح لبوادر قدوم الجنين الذي لا وجود له اصلاً..
تحدث معنا كشعب قبل كل الانتخابات التي نخوضها. كالمرأة التي تحس بأعراض الحمل، نحن أيضاً نعتقد إننا سائرون إلى إختيار من يمثلنا بكل إرادة وحزم وعزيمة. في كل إنتخاب نحلم بقادم أفضل وحكومة تصون كرامتنا وتوفر لنا العيش الرغيد. نعتقد أن أبنائنا سوف يتخرجون من الجامعات الرصينة وسيجدون عملاً ويؤسسون لحياة ملئها السعادة والسؤدد. نتصور أن بخروجنا إلى صناديق الإقتراع قد ساهمنا في تأمين كل مستلزمات الحياة للأجيال القادمة. نفرح بأن هناك من يسمع أصواتنا التي نضعها على قصاصة ورقة ونرميها في ذاك الصندوق البلاستيكي. لتضمحل بعد ذلك كل الأحلام ونعود بأيد فارغة نستذكر قصة خفي حنين.
المرشح للانتخابات يعيش مدة شهر كامل في هلوسة الدعاية الانتخابية ويتلذذ طعم البرلمان كما لو كان نائباً. سيارات عديدة ومرافقين وجنود وناس تلقي التحية. الكل يفرش له سجادة حمراء وهو يمشي مرحاً وكأنه يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولاً. يلوح بيده ذات اليمين وذات الشمال والابتسامة تملئ شفتيه. نسيم البرلمان يجعل منه أن ينام ويحلم بكل تلكم الإمتيازات ويطرز الخيالات ويقترب من تحقيق الحلم. ينتظر أبواب السماء التي ستفتح له على مصراعيها ويلج إلى الجنة ليكون خالداً مخلداً وغامراً معمرا في نعيم الدنيا.
بعد حين يتفاجئ الجميع أن الحمل كاذب ولا جنين في الرحم. مجرد مغص وعسر لن يفضي في نهاية المطاف بشيء يسمن أو يشبع من جوع. لن يكون الحصاد إلاّ خيبة أمل كبيرة ليبدئ الجميع بعد ذلك بلملمة الجراح والإنصياع للأمر الواقع وقبول الحقيقة المرة. ثم يحين وقت العودة إلى البيت وممارسة الحياة الطبيعية.
إنه حمل كاذب أيها الاخوة. إنها خيانة الأعراض التي تجعل المرأة تحس بكل ألام الحمل الطبيعي وتعيش الأحلام الوردية على أمل إحتضان مولود جميل وإحاطته بالرعاية والعطف والإحساس بالأمومة. إنه حلم أمة بكاملها في إحتضان الحياة السعيدة. إنه حلم شعب في أن يرتقي إلى مصافي الشعوب الراقية. أمل أمة في أن تكون بقدر تأريخها العريق متحرراً من كل قيود العبودية والذل والهوان. إنه غاية شعب يبحث عن الكهرباء والماء في زمن التكنلوجيا.
كل هذا الخيال سرعان ما يذهب أدراج الرياح، والحلم يتبدد بعد أن يتبين أن الحمل كاذب ولا جنين قادم. إنه الحمل الكاذب يا سادة.