تتداعى الشعوب.. أفرادا ومجتمعات، في احضان الرذيلة.. طرديا، تبع إنهيارها السياسي المشفوع بالازمات الاقتصادية والتعليمية والحروب والفتن الطائفية، ومن أبرز الرذائل، التي ألقى تلاطم بحر الاحداث بالعراقيين إلى شاطئها.. غير الامين، هي ظاهر إنتشار تعاطي المخدرات، بين فئات عمرية متفاوتة.. إناثا وذكورا.. بدءا بالاطفال، مرورا باليافعين والشباب والرجال والكهولة، إنتهاءً بالشيوخ.. تسارع لم تشهد مثله أية آفة إلتهمت مجتمعا من قبل!
واسباب ذلك معروفة وآليات معالجته مشخصة، لكنها بحاجة لمن يعرف السبب؛ فيبطل العجب، ويبدأ العمل الجدي من دون مراءاة استعراضية تشظي الجهود وتشتت الطاقات وتحبط الهمم عن انتهاج اسلوب واضح الابواب في التصدي لوباء المخدرات.
والاسباب هي بالدرجة الاولى غياب الرقيب والخيبة إزاء كل شيء؛ نتيجة الفساد وأهمال الخدمات، والتقشف غير المبرر، بعد تعافي أسعار النفط، ناهضة من هبوطها، ارتقاء منذ مطلع 2017، والاحتقان الطائفي، والشعور بوجود قوى تهدد وجودنا الشخصي والعائلي والفئوي والوطني.
ثمة تهديد مستمر، يرافق الانسان العراقي، بوجود عدو يتربص به من الخارج.. متمظهرا بتشكيلات أميبية الهلام.. غير ممسوكة ولا متبلورة، كان في السبعينيات اسرائيل وفي الثمانينيات ايران وفي التسعينيات امريكا، وكلهم يشعر العراقي، بانهم سيطرقون الباب عليه داخلين فجأة لينتهكوا حرماته ويشردوا عائلته ويستولون على ماله و.. عرضه وحرثه؛ قلا ليلا ينام ولا نهارا يصحو.
بعد 2003، وجد الشعب نفسه أعزل.. لا حكومة تحميه ولا جيش يدافع عنه، والقاعدة تغلغلت بين البيوت والشوارع والساحات العامة، والاسواق والمدارس، تفجر ما طابت لمشيئتها نسفه، متحولة الى “داعش” في ما بعد.
المتطلبات التي تضاعف معها غلاء المعيشة، بمتوالية هندسية بعد 2003، بينما الرواتب ما زالت ترزح عند حدود ما تحت الكفاف، نظير نخبة مرفهة فائقة الثراء، بلا جهد ولا… إنتماء ولا… زمن شرعنة التقفيض.
الطلاب يتخرجون في الجامعات الى كافيهات البليارد ومقاهي النارجيلة المترعة بالحشيشة، والامهات قلقات على مستقبل اولادهن، والاباء يحالون على التقاعد، فلا يصرف لهم راتب، تائهين عند الساحة المقابلة لدائرة التقاعد العامة، وكلما نظمت دوائرهم معاملة، ضاعت في هيئة التقاعد، الى ان يوقعوا على انفسهم كمبيالات لمعقب، بما يعادل نصف الراتب الذي سيتقاضونه طوال ما تبقى من العمر؛ فتصرف مستحقاتهم باثر رجعي للمعقب، على ان يصلهم الرتب التقاعدي في القبور.
بنات عوانس والشغل متوقف، بحيث اغلقت المتاجر ابوابها و”القفاصة” يبرمون عقودا وهمية مع وزارات الدولة، يستولون على ميزانياتها ولا ينفذون، وتظل الحاجة للمشروع عالقة، تثلم حياة المواطن.
كل هذه التراكمات المعيشية.. بمجموعها، أودت بالعراقيين، خاصة في الوسط والجنوب، الى تعاطي المخدرات، عل القدر ينساهم او هم ينسون انفسهم، كمن يغمض عينيه فيظن العالم من حوله اختفى.. وتلك حقيقة؛ فالمخدرات تغيب العقل تماما، وتحث الانسان على الانهيار تحت وطأة مشاكله، التي تمر من فوقه وهو متلاش دون مستوى قدره.. لا يشعر برصيف وسخ اعيد صبه بهشاشة 5 مرات في العام، والكهرباء والصحة والتعليم و.. منهارة لا تؤدي عملها.
لذلك أتوفع بعد عشر شنوات، سنجد العراق كله يحشش علنا، كي يغيب عن الوعي، ناسيا ما حوله، في موت حيوي يبقي جذوة القلب تلتهب والعقل فارغ.. هواء.
المعالجات تكمن في الكشف على مزارع البصرة والديوانية وتفتيش الاجانب، وتشريع قوانين صارمة تردع مروجي المخدرات.. من أجانب او عراقيين، بالاعدام! كي تضع حدا لإنتشار آفة المخدرات بين ابناء الشعب العراقي.
اما ما يحصل الان، فمن يلقى القبض عليه، وهو يتاجر بالمخدرات، يحكم سنة او سنتين، ثم يخلى سبيله، قبل إتمام الحكم القضائي، بتشفع حزب نافذ السطوة، بدعم ليس من الرب، إنما من إرادة خارجية، ألبت الشعب، على ان يكون أقوى من الدولة، وبذلك تهمشت الحكومة واستقوى الافراد بانتماءات فئوية.
أؤكد حاجة العراق لتشريعات رادعة تبلغ الاعدام للحد من انتشار تعاطي الحشيشة، وتوفير فرص عمل للشباب، وتامين خدمات تحقق الحد الادنى من الر احة للمواطن.. كهرباء ونظافة وتعليم وصحة، وتشجيع ممارسة الرياضة والفنون الشعبية الـ POP ART وتحسين الاوضاع العامة.
وتلك حملة سأقودها مع لفيف وطني مخلص.. في الايمان بالله والولاء للعراق، يضم تربويين واجتماعيين وعلماء نفس واطباء ورجال شرطة وقانونيين ومنظمات مجتمع مدني.. محلية وعالمية واعلاميين ومشاهير الرياضة والفن ومجلس النواب ووزارات الدولة المعنية، مثل الصحة والتعليم العالي والتربية والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية، ومتطوعين لوجه الله وحب الوطن، من أفراد ومؤسسات.
تتمفصل أسباب إغراء الشباب بالمخدرات، بين هدفين، أحلاهما مر.. الاول تدمير العراق والثاني الربح الوفير فائق السرعة؛ لأن الكوكائين والخشخاش والكريستال، أغلى من النفط بل والذهب، خاصة الكريستال.. أغلاها؛ لانه يؤدي الى الهذيان وارتكاب الجرائم.
فلنشفع مانكتبه بخطوات اجرائية، تنفذ ميدانيا، بالتعاون بين الجهات الراغبة بتقديم الخدمات، والشروع بتبويب العمل، في مسارات منهجية.. 1 – معالجة المدمنين؛ لأن مشكلة المخدرات، من المرة الاولى تنشب أظافرها في من يتعاطاها، و2 – ردع المتاجرين بها، بقوة من دون رحمة؛ لانه لم يرحم مجتمعا كاملا، 3 – تجفيف منابعها من المناشئ.. ومعظمها خارج العراق، الا النزر اليسير الذي يزرع في الداخل؛ وذلك بتشديد الرقابة، وتفويت الفرصة على المتواطئين؛ كي تطالهم عقوبة المتاجر والمتعاطي، بنفس القدر.. نسبيا.
منطقة المرفقات