18 ديسمبر، 2024 7:44 م

حماية الأمن السيبراني العراقي الاستراتيجية المفقودة

حماية الأمن السيبراني العراقي الاستراتيجية المفقودة

يجني العراق بشكل شبه يومي نتائج الفساد والفوضى وعدم التخطيط الجيد من قِبل القائمين على مؤسسات الدولة العراقية. فرغم الميزانيات الضخمة والمقدّرات المالية الكبيرة المرصودة على مشاريع مايزال الكثر من منها عبارة عن مخططات أولية حبيسة الورق من دون تن يكون لها على ارض الواقع شيئا، إلا ان الدولة مازالت تفتقر استحداث تشكيل ينسجم مع مجموع التحديات المستقبلية كالامن السيبراني وليس فقط أمن المعلومات وهم مصطلحين لا يجب الخلط بينهما.
وبالرغم من الدور الايجابي الكبير والفعال الذي انعكس على الحياة الفردية والاجتماعية نتيجة الثورة التكنلوجية والمعلوماتية، وتطور وسائل الاتصال الاجتماعي والتي ساهمت في تطور عمليات البحث العلمي وسهولة الوصول والحصول على المعلومة، بل أصبحنا نتحدث عن التجارة الإلكترونية والصحة الإلكترونية وكذلك الحكومة الإلكترونية والصحافة الإلكترونية. الا ان هذا لايمنع من انعكاسها السلبي على الامن الوطني والقومي بالمستوى التي باتت تشكل فيه تحديا وتهديدا جديا، مما يعني ان دائرة تهديدات الامن الوطني والاقليمي باتت تشهد نوعا جديدا من انواع الصراع الدولي. ومن ثم أصبح المفهوم الجديد للأمن القومي يدور في فلك الحفاظ على سلامة الدولة في ظل هذه التطورات التكنولوجية وانعكاساً لها وسببا لاعادة رسم خارطة الصراع من حيث طبيعته وادواته وطرقه على الصعيد الوطني والقومي، وعلى الصعيد الدولي فانه اقتضى اجراء جملة من التعديلات والتغييرات داخل البيئة الأمنية للنظام الدولي. ورغم تطور تقنيات الأمن السيبراني إلا أن الهجمات الرقمية حول العالم لا تزال في ازدياد وأنماطها تختلف وتتطور يوما بعد يوم.
شهد الفضاء العراقي بعد عام 2003 تطورا كبيرا وملحوظا في مجال الاستخدام المعلوماتي والاتصالات ، تزامنا مع ضعف في الأمن الرقمي للبنية التحتية للبلاد (سواء كانت وطنية أو مصرفية أو أمنية شخصية)مما يجعله في معرض التهديدات الأمنية ( القرصنة المعلوماتية والمصرفية والتجسس على أجهزته الأمنية) من قبل الدول الاقليمية والدولية الكبري، لاسيما بعد الشكوك التي رافقت الانتخابات البرلمانية الاخيرة أيار 2018 نتيجة الاعتماد في عملية التصويت على نظام الأقمار الصناعية والتي لايمكن التحكم بها لانها تدار من خارج العراق مما يجعل من السهولة بمكان إمكانية اختراقها والتلاعب بنتائجها من قبل جهات خارجية تمتلك التقنية اللازمة لهذا الاختراق.
وأيضا التهديد الاقتصادي الذي يمكن ان يتعرض اليه النظام المصرفي العراقي بعد العمل بمشروع توطين الرواتب والذي تديره شركات تحتفظ بالمعلومات الشخصية للموظفين داخل أجهزة الكترونية خارج البلاد أيضا.
وبالفعل في السابع والعشرين من شهر أيلول الماضي تعرضت مواقع الكترونية مهمة تابعة للحكومة العراقية من بينها موقع جهاز الأمن الوطني إلى الاختراق، فيما نشر المخترقون شريطا مصورا سابقاً على احدى هذه المواقع المخترقة للموديل تارة فارس، والتي كانت قد قتلت في العاصمة العراقية بغداد من قبل مجهولين وسبق ان قام مجهولون، في وقت سابق، باختراق عدد من مواقع الوزارات في مواقع التواصل الاجتماعي وتعهدوا باختراق المزيد من مواقع مؤسسات الدولة.
ليس هذا فقط بل تم اختراق القراصنة لموقع وزارتي البلديات والشباب والرياضة ودائرة توزيع الطاقة، إضافة إلى موقع جهاز الأمن الوطني نفسه، اذ وضعت على الموقع الأخير لافتة حداد بالأسود وصورة لأحد التفجيرات في العراق. وكتب المخترقون على الصفحات الرئيسة لتلك المواقع “سوف تكون هذه البداية”، متوعدين باختراق مواقع أخرى
هناك خطورة كبيرة تتعرض لها المؤسسات العراقية والأفراد من تهديدات سيبرانية، يستدعي إجراءات حكومية تعزز الامن السيبراني وحماية الأمن الإلكتروني والبيانات الشخصية للأفراد في البلد ؛ فوفقًا للاتحاد الدولي للاتصالات احتل العراق عام 2017 المرتبة (159) عالميا ضمن تصنيف البلدان الأكثر استعدادًا للهجمات الإلكترونية وهذا الموقع يضع العراق امام اشكالية مهمة وخطيرة تتمثل بامكانية تهديد الامن السيبراني له مما يتطلب مراجعة وضع الأمن السيبراني وإدراته، اضافة الى ندرة الكادر البشري المؤهل لإدارته مما جعل من العراق ساحة مكشوفة امام العديد من القوى الاقليمية، والتنظيمات الارهابية خصوصا في ظل الازمات الأمنية التي شهدتها المنطقة ومازالت. اذ كانت الحرب المعلوماتية احدى ادوات الصراع مع داعش والذي جعل من العراق منصة لإطلاق الهجمات الإلكترونية وعمليات القرصنة ضد أمن المعلومات للدول المجاورة . كما أننا رأينا استخدام التطور التكنولوجي ومنصات التواصل الاجتماعي ودورها في تظاهرات تشرين 2019.
وحتى الآن لا يوجد قواعد تحكم “الحروب” الإلكترونية، فلا يوجد هناك ضوابط تحكم إلى أي مدى يمكن أن تصل حدود الاختراقات أو الأضرار. وسيظل غياب الضوابط أو وسائل الردع ضد الهجمات التي قد توصف بأنها أعمال “حرب”، أمرا يشغل بال العاملين في الأمن الرقمي.
وبناءً على ذلك ، لابد من البحث في حماية الأمن الإلكتروني العراقي وإنشاء الأطر القانونية والهياكل التنظيمية اللازمة، ووضع استراتيجية للحد من هذه الهجمات السيبرانية وتهديد ألامن العراقي الوطني. لاسـيما وان أكثـر مـن ١٣٠ دولـة حـول العـالم قامت باستحداث مؤسسات وتشكيلات غير تقليدية مختصة بـالحرب السـيبرانية ضـمن فـرق الأمـن الـوطني لها لمحاربـــة الجــــرائم الالكترونية. فضلاً عن توفير الوسائل التقنية والتكنولوجية لدعمها مما يضع المسؤولية امام القطاعين العام والخاص تجاه حماية الفضاء الإلكتروني الوطني العراقي ، مع التركيز بشكل خاص على ضمان توفر أنظمة المعلومات ، وتعزيز الخصوصية ، وحماية سرية المعلومات الشخصية.