18 ديسمبر، 2024 11:20 م

حمامات الدم والتطهير العرقي والطائفي للعراق الموحد أولاً  

حمامات الدم والتطهير العرقي والطائفي للعراق الموحد أولاً  

حذر المالكي من تقسيم العراق من أنه قد يؤدي الى حمامات دم وتطهير عرقي، ويفهم من كلامه هذا ان الوحدة العراقية خلت وتخلو من الاثنين. وهنا نتساءل: ترى هل غابت حمامات الدم والتطهير العرقي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 عن العراق الموحد والى الان، الم يقتل الكثير من جيش الشيخ محمود في ثوراته على الملكية والانكليز في العشرينات من القرن الماضي، واكثر من 8000 مواطن مسيحي أثوري على يد الجيش العراقي في سهل سميل عام 1933 فاعتداءات متكررة على عشيرة بارزان في مطلع الثلاثينات من ذلك القرن وعام 1943؟ دع جانباً مصرع الالاف من الكرد والافراد من الجيش العراقي بين عامي 1961 و 1975. وماذا عن دفن اكثر من 5000 بارزاني عام 1983 في صحارى الجنوب واكثر من 2000 كردي فيلي انتهوا الى المصير نفسه وفي فترة الثمانينات نفس؟ وهل غابت عنا عملية إبادة اكثر من 5000 مواطن كردي من اهالي حلبجة بالسلاح الكيمياوي عام 1988 وقبله تغييب نحو 182000 كردي عن الانظار في عمليات الانفال؟ حتى الحربين الخليجيتين، كانتا من ثمار الوحدة القسرية المفروضة على العراقيين والتي راح ضحيتها ما يقارب المليون من المواطنين العراقيين و الايرانيين، واخيراً وليس أخرا فأن عدد القتلى من العراقيين بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 يقدر لدى بعضهم بالمليون.

ولنعرج الى التطهير العرقي في ظل العراق الموحد، الم يحدث تطهير عرقي في ظل حكم البعث 1986-2003 ضد الكرد الذين تم تعريب اراضيهم وقراهم ومدنهم وشردوا منها واسكن فيها العرب؟. و منذ سنوات يشهد العراقيون تطهيراً من نوع أخر الا وهو التطهير الطائفي بحق الطائفة السنية في محافظات ديالى و وصلاح الدين والانبار وفي بغداد وحواليها أيضاً، ويؤكد على ذلك الرموز السنية في البرلمان العراقي والسلطة التنفيذية ايضاً بشكل شبه يومي على هذا التطهير الذي نجم عنه، نزوح اكثر من مليونين ونصف المليون مواطن من ديارهم ليصبحوا لاجئين في كردستان ومناطق في محيط بغداد وسامراء وغيرهما.

على ماذا يستند المالكي ومعه الحكيم ايضاً وكذلك قادة عراقيون اخرون في رفضهم لتقسيم العراق، وتجارب العالم التقسيمية تفند رفضهم وذرائعهم الواهية، حين لم تفضي الى بحار من الدم و الفصل العنصري أو الطائفي، فعند انهيار الاتحاد السوفيتي السابق انبثقت (15) جمهورية مستقلة وظهرت جمهوريتان بعد تقسيم جيكو سلوفاكيا، احداها للجيك والثانية للسلوفاك وبعد التجارب التقسيمية أو الاستقلالية تلك فان التعاون بين تلك الجمهوريات وروسيا الاتحادية بقي على حاله وأشتد واطلق على المتعاونين مصطلح مجموعة الدول المستقلة، وتحسنت العلاقات بشكل افضل مما كان عليه سابقاً، بين الجيك والسلوفاك، ولم ينقذ الشعوب اليوغسلافية من جرائم الصرب سوى تقسيم يوغسلافيا الى عدد من الجمهوريات المستقلة، ولولا تقسيم الاتحاد السوفيتي وجيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا لكانت تلك الدول قد واجهت المشاكل نفسها التي تمر بها البلدان العربية من حروب وويلات جراء فرض الوحدة القسرية على شعوب هذه البلدان، ان التقسيم وحده حال دون نشوب الحروب الداخلية في دول المعسكر الشرقي الشيوعي السابق وفي الاقطار غير الشيوعية كذلك، شهدنا اكثر من عملية تقسيم وانفصال ومن غير ان يعم الاقتتال بين شعوبها ففي جنوب افريقيا انفصلت ناميبيا، وفي اندنوسيا، جزر تيمور الشرقية، وانفصلت اريتريا عن اثيوبيا وجنوب السودان عن السودان وقبل ذلك سوريا عن مصر، فهل أدت التقسيمات المذكورة اعلاه الى حمامات دم وتطهير عرقي؟ أو ليس الحكم على التقسيم كسبب لحمامات دم وتطهير عرقي مفترضين، استباقاً للاحداث وحكما سابقا لأوانه، سيما بعد أن وقفنا على التجارب التقسيمية تلك. الا يعني أن تقسيم العراق سيقود الى الوضع نفسه الذي ادى اليه تقسيم تلك الدول والبلدان، هذا الوضع الزاخر بالتعاون والتعاملات على اختلافها فضلا عن تمتع شعوبها بالأمن ووالاستقرار؟

ثم أولم يقل المالكي نفسه قبل اسابيع من الان، بصعوبة تحقيق التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية العراقية، افلا يعني كلامه ذاك ان لا مناص من التقسيم؟ لو لم يكن العراق دولة حروب ومذابح واضظرابات وتطهير عرقي وطائفي منذ استقلاله، لحق الحكم على التقسيم بانه سيء ومرفوض.

يذكرني تحذير الحكام العراقيين مما يسمونه (الفتنة) و( حمامات الدم) و (التطهير العرقي) دوماً بالحكاية التالية والتي تطرقت اليها في مقال سابق لي. تقول الحكاية، ان قروياً سافر في صباح باكر الى بلد بعيد لقضاء حاجة له فيه، ومشى النهار بكامله والقسم الاعظم من الليل، وعندما هده التعب ولم يتمكن من مواصلة السفر، انتحى جانباً وغط في نوم عميق واثناء ذلك التقت عشيرتان متخاصتان في المكان الذي كان نائماً فيه، واشتبكتا و خلفتا العشرات من القتلى والجرحى وبرك الدم وراءهما ، وحين استيقظ القروي من نومه هاله مارأى حواليه وقال مع نفسه: علي أن اغادر هذا المكان من قبل ان تقع فتنة!!

وكأن العراق لا يشهد كل يوم فتنة وجدوال لدم والدموع ليحذرنا حكامه من وقوع فتنة وحمامات دم وتطهير عرقي قد تقع جراء تقسيم العراق.

[email protected]