23 ديسمبر، 2024 4:54 م

حمار ساحة الفردوس

حمار ساحة الفردوس

ربما يتسبب هذ العنوان في بعض اللبس والوهم وسوء الظن  لدى بعض قرائنا الكرام. لذلك وقبل أن يذهب الذهن إلى صاحب التمثال التاريخي الأصلي الذي سحبته دبابة أمريكية من قاعدته، وكشفت عورته، ورمته على الأرض لينهال عليه (الأشاوس) بالأحذية المناضلة، أسارع إلى التوضيح وأروي هذه الحكاية.
في شهر حزيران/ يونيو 3003، أي بعد دخول الدبابات الأمريكية (محررة وليست غازية) على رأي أحمد الجلبي، يوم 9 نيسان / أبريل الذي أعلنه السيد محمد بحر العلوم عيدا وطنيا عراقيا وإيرانيا مقدسا، كنت مقيما في فندق فلسطين المطل على مكان التمثال الساقط في ساحة الفردوس.
وقبل أسابيع فقط من الحادثة التي أريها هنا كان فرسان شركة (KBR) الأمريكية التي مصت دماء العراقيين والأمريكان معا من خلال مشاريع إعمار مغشوشة، قد قاموا بغزو عسكري آخر للطوابق العليا من الفندق، فاحتلوها ثم أنفقوا عليها الكثير من الجهد والذوق والمال فجعلوها منازل تشبه منازل نجوم هوليود إلى حد كبير، جعلوها ذات 6 نجوم وليس 5 فقط.
كنت أنا وزوجتي في الطابق الخامس، ولكن على الجهة المواجهة لنهر دجلة وشارع أبو نواس وليس ساحة الفردوس.
وذات صباح باكر جدا، قبل شروق الشمس بقليل، هز الفندق زلزال عظيم كسر علينا جميع الزجاج، فخرجنا مذعورين نحاول معرفة ما يدور، فأخبرنا أحد الحراس بأن صاروخا أطلق على الطوابق العليا من الفندق، ولكنه لم يصب أحدا من الأمريكان ولا العراقيين، واقتصرت أضراراه على بعض جدران الفندق وزجاجه فقط.
بعد قليل هبطت مشيا على السلالم بسبب انقطاع الكهرباء عن المصاعد، أو بسبب توقيفها بأوامر الأمريكان بعبارة أصح، وفي الاستقبال عرفت باقي تفاصيل العملية الهجومية المريعة.
قيل لي أن المقاومة جاءت بعربة يجرها حمار، وفيها ستة صواريخ مغطاة بأكياس طحين، ثم أوقفت وتم توجيهها نحو الطوابق العليا من الفندق تمهيدا لإطلاقها وتدمير المكان كاملا، بمن فيه وما فيه. ولكن الذي أنقذنا من هذا المصير الأسود هو الحمار. فحين انطلق الصاروخ الأول لسعت حرارته عجز الحمار فقفز من الرعب وحاول الهرب فانقلبت العربة وتبعثرت الصواريخ الخمسة الباقية على الرصيف ولم تنفجر.
هرعت إلى مكان الحدث فوجدت الحمار ما زال واقفا يرتجف وعيناه تدمعان وتسألان: بأي ذنب أرادت المقاومة قتل الحمار البريء؟ كانت الصواريخ مبعثرة والجنود الأمريكان حراس المكان ينادون باللاسلكي خبراءهم لكي يأتوا ويبطلوا مفعولها.
وهناك كان مدير الفندق العراقي وقائد سرية الحماية الأمريكي يتفحصان مكان الحادث، فتوجهت إليهما والتمست منهما أم يربتوا على كتف الحمار ويهدئوا من روعه.
ثم اقترحت عليهما إقناع قيادة قوات التحالف بفكرة إقامة تمثال لهذا الحمار الشريف يوضع مكان التمثال القديم، في ساحة الفردوس، لأنه أنقذ أرواح كثير من الأبرياء، على خلاف ما فعله الأمريكان والمقاومون وفرسان المحاصصة. كما اقترحت تغير اسم الساحة من (ساحة الفردوس) إلى (ساحة الحمير)، وذلك لأن الوطن العراقي لم ولن يصبح فردوسا في يوم من الأيام.