18 ديسمبر، 2024 11:06 م

حماد ووالده شتان بين الطفولة والشيخوخة

حماد ووالده شتان بين الطفولة والشيخوخة

لم يجتاز ابني الصغير حماد السنة التاسعة من عمره فيما وصل أباه الى الخمسة والخمسون من العمر .وهنا ترى الطرائف والعجب بين هاتين المرحلتين مرحلة البراءة والطفولة ومرحلة الربيع في الشيخوخة .حماد يريد أن يكبر سريعاً وببراءته حتى يكون رجلاً لديه سلطة القرار يريد أن يتجاوز براءة الطفولة.. الحلم الذي يتمناه الكبار ويحلمون الرجوع إليه ..بينما لايحبه الصغار ويرغبون بتجاوزه سريعا ولكنهم لايعرفون أن عداد الزمن مستمر بعملياته الحسابية دون توقف أو رحمة.. فالزمن لايعرف الفقير اوالغني ولا الصغير ولا الكبير عجلاته تسير بخطى ثابته ..
مهما كانت قساوة الطفولة معنا لكننا نشتاق لايامها لأننا نعتبرها البداية ومهما كانت جميلة ايام العمر في الخمسينات والستينات لكنها لم تدخل الفرح فينا لأننا نحسها طريق النهاية ..
نعم ياحماد سوف تكبر ويكبر معك احلامك وتحمل معها ذكرياتك ..تكبر ويكبر معك هاجس الطمع وتعيش في حياة الصدق والخداع ..وحياة الكذب والنفاق .ستواجهك ياولدي ذئاباُ من بني جنسك .ستندم على طفولتك ولكن الندم لايغير شيئاً في تعداد السنين …
يتمنى الكبار ياولدي أن يرجعوا إلى طفولتهم ليصححو كل ما ارتكبوه من أخطاء ويختارون اصدقاء غير أصدقائهم ولكن هيهات .هيهات .إن يعود الزمن إلى الوراء .والا لما كان شيء اسمه الماضي .
لقد كانت طفولتنا ياحماد تختلف كثيرًا عن طفولتكم كانت مآساتها اكثر من افراحها وكان الفقر والعوز يعيشان معنا في فراش واحد .رقدنا في فراشنا ايام عديدة من دون أن نشبع ولم نعرف لبس الموديل الذي تلبسونه أو حتى نسمع به..فقرية الطفولة ياولدي (( العين واصفية)) تختلف عن طفولتك في العاصمة بغداد اليوم كنا نذهب الى المدارس وملبسنا وهندامنا كتب عليها صنعت من الفقر الشديد .
كان الأستاذ في مادة التربية الإسلامية يناقشنا حول موضوع الفقر والغنى وكان كل واحد منا يدافع عن أهله أنهم أغنياء وكنت انظر الى دموعه وهو يبكي ولم اعرف حينها مايبكيه .ومع مرور الزمن عرفت أنه يبكي على فقرنا الشديد فكان الغني فينا من يقول إن أهله لديهم خمسة نعاج أو أربعة دجاجات يعتاشون منها ..
هكذا كانت طفولتنا ونحن نشتاق اليها ولا اعرف ان جيلكم سوف يشتاق لطفولته فمدرستك الخاصة ونظام تعليمك واشتراك السيارة الذي يوصلك المدرسة يوميا ذهاباً واياباً.والحانوت في مدرستكم وهو يوفر لكم كل شيء لم نعرفه في طفولتنا ولم نحلم به يوماً .وكل ماكنا نحلم به أن نذهب مع اهلنا إلى المدينة لنأكل القليل من الكباب معهم أو شراء بعض الحاجيات الضرورية للبيت كالدبس والتمر وهذه السفرة لا تصادف الا مرة واحدة في السنة ..
نعم ياولدي سوف تكبر وتقرأ مقالتي وترى أن هنالك شتان بين طفولتنا ..
طفولة الحرمان من كل شيء وطفولة الرفاه في كل شيء طفولة الا تملك حذاء يقيك البرد وطفولة أن لاتشتري حذاء الى ماركة عالمية ..
كل شيء مختلف ياولدي كانت حلوياتنا التمر مع خبز التنور ولم نعرف مثلكم الگاتو والكنافة والبسبوسة ..
كان البنطلون الذي نلبسه يصلح لكل الشباب في العائلة الواحدة من حيث الحجم والقياس ولم نعرف مثلكم شيء اسمه موديل ..أو الجينز ..
لم نركب السيارة التي لم تكن موجودة في كل القرية وكان تنقلاتنا بين القرى سيراً على الأقدام .
كان الأهل يحاسبوننا على الصغيرة والكبيرة وكانو لايقبلون منا اي تصرف يعتبرونه معيب فالكلام مع الكبار من الرجال في القرية والجلوس معهم ممنوع والدخول في المدرسة إلى الإدارة وغرفة المعلمين ممنوع والسهر بعد نهاية التعليلة ممنوع والنوم الى الساعة الثامنة صباحا ممنوع أيضاً..وكل العائلة تجلس سوية على الفطور والغداء والعشاء ولايجوز لأحد أن يتخلف عن الاكل ..لم نعرف في حينها الا اللبن (( الخاثر)) صباحاُ والتمن ومرق غداء وعشاء وربما أحياناً تقوم العائلة بذبح دجاجة أو يشترون كيلو لحم من قصاب القرية والذي يذبح في المواسم فقط ولم نسمع بالهمبرگر أو الكنتاكي أو كباب الدجاج او المقبلات .اومطعم حجي حسين في المنصور بغداد أو كويسنجق في الدواسة في الموصل
لم نرى التلفزيون في القرية لأنه كان حكراً لابن المدينة لعدم توفر الطاقه الكهربائيه في القرى .ولم نشبع الماء البارد الا في وقت الصباح لان الجو يكون بارد ..
اليوم تأكلون انواع المثلجات والمأكولات وتلبسون الملابس الجديده وتعيشون حياة عصرية متطورة بما تملكون من أجهزة إلكترونية عديدة ..وهذه نعمة الله عليكم ..فحافظوا عليها من الضياع واشكرو الله فبالشكر تدوم النعم .
أما جيلنا نحن الخمسينات والستينات والسبعينات فنحمد الله على كل شيء على الفقر والغنى على الصحة و العافية على ما اعطانا ويعطينا .نحمده على ماوهبنا من ذرية استطعنا أن نعوض بهم طفولتنا ونوصلهم الى مسار العلم والجامعات ..
دعائنا اللهم انك عفواً تحب العفو فاعفو عنا يالله…
وخاتمتنا الحمدلله رب العالمين