لرجال القانون قاعدة ذهبية يستندون عليها في معظم الأحيان، لإماطة اللثام عن الجرائم الجنائية الغامضة، بل وحتى الجرائم السياسية كذلك. وتتلخّص هذه القاعدة بعبارة “فتّش عن المستفيد”.
المستفيد ليس بالضرورة أن يكون الجاني نفسه، فقد يكون العقل المدبر شخصاً أو جهة أوعزت لمتهور بالقيام بهذا العمل. ولو عكسنا هذه القاعدة على وقائع الأزمة السياسية المتراكمة في العراق، فإن جردة حساب بسيطة سوف تكشف عن “الرجل الغامض” الذي يتلاعب بخيوط الاحتراب من خلف الستار.
“الحليم” الذي لا تكفيه الإشارة، هو مصطفى الكاظمي، رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي يلهث بين البيوتات السياسية منذ أشهر، طمعاً بولاية ثانية قدّم في سبيلها مئات آلف الدولارات لأحزاب ومتنفذين، ومناصب وزعها هبات لحلفائه من جهة، وخصومه الذين يسعى الكاظمي لشراء ذممهم في سبيل التجديد من جهة أخرى.
وعلى النقيض من مضمون عبارته الشهيرة: “اطمئنوا .. اطمئنوا”، ظل العراق على مدى سنتين يرزح تحت وطأة أزمات افتعلها الرئيس “المبخوت”، وفريق مستشاريه “المأزوم”، الذي دفع الكاظمي للتمترس خلف ستار أزمات اختلقها للعب على المتناقضات وإيجاد موطئ قدم بين المرشحين المحتملين في الغرف المغلقة.
ويُظهر الكاظمي “طاعة عمياء” للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الراعي الرسمي لحكومته والمستفيد الأكبر من بقائها، لكنه لا يدخر جهداً بإظهار طاعته تلك إلى زعيم إطاري يُمثّل خصماً لدوداً للصدر، في سبيل عدم سحب البساط من أسفل قدميه وتركه غارقاً في رمال الأزمات.
بيد أن الاستقالة التي قدمتها الكتلة الصدرية غيّرت كل الحسابات، وأنتجت معادلة سياسية كانت الكفّة الراجحة فيها للإطار التنسيقي، الذي ظل الكاظمي طيلة شهر كامل يسترضي دعم “أقوى الإطاريين”، مقابل ضمانات و”أكباش فداء”، غير أن مساعيه لم تلقى أصداءً حسنة من أطراف اكتوت بـ”نيران الخيانة”، كما يعبرون عنها.
ومنذ إعلان الإطار التنسيقي عن ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، خصص الكاظمي موازنة شهرية ضخمة جنّد فيها كتاباً في صحف عربية أبرزها الشرق الاوسط، والخليج الإماراتية، والنهار اللبنانية، وقناة سكاي نيوز عربية وذلك للتمجيد بإنجازاته الوهمية وإمكانياته الجوفاء، ولم يفته أيضاً توجيه مجنديه بإعداد مقالات ومحتوى مرئي يندرج ضمن حملة تكذيب ممنهجة ضد الإطار ومرشحه السوداني، وهو ما يُعبّر عن إفلاس سياسي لـ”رجل الظل” الذي تيقن أخيراً أنه رحل غير مأسوف عليه، وينتظره حساب عسير على فساد أمعن فيه وحاشيته.
أخيراً، يُقال إن التلميح أبلغ من التصريح، لكن “حليمنا” لا تكفيه الإشارة!